كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 7)

واستفحل شأن بدوي بن يعلى وبني يفرن، واستغلظوا على زيري بن عطية وأصلوه نار الفتنة، وكانت حروبهم سجالا، وسئمت الرعايا بفاس كثرة تعاقبهم عليها وانتزاؤهم على عملها. وبعث الله لزيري بن عطية ومغراوة مددا من أبي البهار بن زيري بن مناد بما كان انتقض على ابن أخيه منصور بن بلكّين صاحب القيروان وإفريقية، ونزع عن دعوة الشيعة إلى المروانية. واقتفى أثره في ذلك خلّوف بن أبي بكر صاحب تاهرت وأخوه عطية لصهر كان بينهما وبين زيري، فاقتسموا [1] أعمال المغرب الأوسط ما بين الزاب وأنشريس [2] ووهران، وخطبوا في سائر منابرها باسم هشام المؤيّد، وخاطب أبو البهار من وراء البحر محمد بن أبي عامر، وأوفد عليه أبا بكر بن أخيه حبّوس بن زيري في طائفة من أهل بيته ووجوه قومه، فاستقبلوا بالجيش ولقاه رحبا وتسهيلا، وأعظم موصله وأسنى جوائز وفده وصلاتهم، وأنفذ معه إلى عمه أبي البهار بخمسمائة قطعة من صنوف الثياب الخز والعبيد، وما قيمته عشرة آلاف درهم من الآنية والحلي، وبخمسة وعشرين ألفا من الدنانير، ودعاه إلى مظاهرة زيري بن عطيّة على بدوي بن يعلى، وقسّم بينهما أعمال المغرب شق الأبلمة حتى لقد اقتسما مدينة فاس عدوة بعد عدوة، فلم يرع ذلك بدوي ولا وزعه عن شأنه من الفتنة والاجلاب على البدو والحاضرة، وشق عصا الجماعة. وانتقض خلّوف بن أبي بكر على المنصور لوقته، وراجع ولاية المنصور بن بلكّين.
ومرض أبو البهار في المظاهرة عليه للوصلة التي بينهما، وقعد عمّا قام له زيري بن عطية من حرب خلّوف بن أبي بكر، وأوقع به زيري في رمضان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة واستلحمه وكثيرا من أوليائه، واستولى على عسكره، وانحاش إليه عامّة أصحابه.
وفرّ عطية شريدا إلى الصحراء، ثم نهض على أثرها لبدوي بن يعلى وقومه فكانت بينهم لقاءات انكشف فيها أصحاب بدوي واستلحم منهم زهاء ثلاثة آلاف، واكتسح معسكره وسبيت حرمه التي كانت منهنّ أمّه وأخته، وتحيّز سائر أصحابه إلى فئة زيري وخرج شريدا إلى الصحراء إلى أن اغتاله ابن عمّه أبو يدّاس بن دوناس كما ذكرناه، وورد خبر الفتحين متعاقبين على المنصور فعظم موقعهما لديه. وقد قيل إنّ مقتل بدوي إنّما كان عند إياب زيري من الوفادة، وذلك أنه لما استقدمه المنصور
__________
[1] وفي نسخة أخرى: فاقتطعوا.
[2] جبال ونشريس: قبائل المغرب/ 121.

الصفحة 42