كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 7)

استتم تدبيره زحف في جمع لا كفاء له. فلقيه زيري بوادي منى من أحواز طنجة في شوّال سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة فدارت بينهم حروب شديدة. وهمّ [1] فيها أصحاب عبد الملك وثبت هو. وبينهما هم في حومة الحرب إذ طعن زيري بعض الموثورين من أتباعه اهتبل الغرّة في ذلك الموقف فطعنه ثلاثا في نحره أشواه بها، ومرّ يشتدّ نحو المظفّر، وبشرّه فاستكذبه لثبوت رايته ثم سقط إليه الصحيح فشدّ عليهم فاستوت الهزيمة وأثخن فيه بالقتل، واستولى على ما كان في عسكرهم مما يذهب فيه الوصف.
ولحق زيري بفاس جريحا في قلّة، فامتنع عليه أهلها ودافعوه بحرمة، فاحتملهنّ وفرّ أمام العساكر إلى الصحراء، وأسلم جميع أعماله. وطيّر عبد الملك بالفتح إلى أبيه فعظم موقعه عنده وأعلن بالشكر للَّه والدعاء وبثّ الصدقات وأعتق الموالي، وكتب إلى ابنه عبد الملك بعهده على المغرب فأصلح نواحيه وسدّ ثغوره، وبعث العمّال في جهاته: فأنفذ محمد بن الحسن بن عبد الودود في جند كثيف إلى تادلا [2] واستعمل حميد بن يصل المكناسي [3] على سجلماسة فخرج كل لوجهه، واقتضوا الطاعة وحملوا إليه الخراج، وأقفل المنصور ابنه عبد الملك في جمادى من سنة تسع وثمانين وثلاثمائة وعقد على المغرب لواضح فضبطه واستقام على تدبيره. ثم عزله في رمضان من سنته بعبيد الله ابن أخيه يحيى، ثم ولّى عليه من بعده إسماعيل بن البوري، ثم من بعده أبا الأحوص معن بن عبد العزيز التجيبيّ إلى أن هلك المنصور.
وأعاد المظفّر بن المعز بن زيري من منتبذه بالمغرب الأوسط لولاية أبيه بالمغرب فنزل فاس، وكان من خبر زيري أنه لما استقل من نكبته وهزيمة عبد الملك إيّاه، واجتمع إليه بالصحراء فلّ مغراوة، وبلغه اضطراب صنهاجة واختلافهم على باديس بن المنصور بعد مهلك أبيه، وأنه خرج عليه بعد عمومته مع ماكسن بن زيري، فصرف وجهه حينئذ إلى أعمال صنهاجة ينتهز فيها الفرصة. واقتحم المغرب الأوسط ونازل تاهرت وحاصر بها يطوّفت بن بلكّين. وخرج باديس من القيروان صريخا له.
فلمّا مرّ بطبنة امتنع عليه فلفول بن خزرون وخالفه إلى إفريقية فشغل بحربة. وكان
__________
[1] همّ بالشيء: عزم عليه وقصد فعله ولم يعمله.
[2] تادلا: مركز فلاحي عسكري يبلغ ارتفاعه عن سطح البحر 500 م على الضفة اليمنى لوادي أم الربيع يقع وسط ناحية اشتهرت بتربية الأغنام وبجودة الأصناف (كتاب الغرب/ 72) .
[3] هو حميد بن يصلتين الكتامي (قبائل الغرب 120) .

الصفحة 45