كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 7)

أبو سعيد بن خزرون لحق بإفريقية وولّاه المنصور على طبنة كما نذكره، فلما انتقض سار إليه باديس ودفع حمّاد بن بلكين في عساكر صنهاجة إلى مدافعة زيري بن عطية فالتقيا بوادي ميناس قرب تاهرت، فكانت الدبرة على صنهاجة، واحتوى زيري على معسكرهم واستلحم ألوفا منهم. وفتح مدينة تاهرت وتلمسان وشلف وتنس والمسيلة، وأقام الدعوة فيها كلّها للمؤيد هشام ولحاجبه المنصور من بعده.
ثم اتّبع آثار صنهاجة إلى أشير قاعدة ملكهم، فأناخ عليها واستأمن إليه زاوي بن زيري ومن معه من أكابر أهل بيته المنازعين لباديس فأعطاه منه ما سأل، وكتب إلى المنصور بذلك يسترضيه ويشترط على نفسه الرهن والاستقامة إن أعيد إلى الولاية، ويستأذنه في قدوم زاوي وأخيه خلّال، فأذن لهما وقدما سنة تسعين وثلاثمائة، وسأل أخوهما أبو البهار مثل ذلك، وأنفذ رسله يذكر تقديمه فسوّفه المنصور لما سبق من نكثه. واعتلّ زيري بن عطيّة وهو بمكانه من حصار أشير فأفرج عنها. وهلك في منصرفه سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة واجتمع آل خزر وكافة مغراوة من بعده على ابنه المعزّ بن زيري فبايعوه، وضبط أمرهم وأقصر عن محاربة صنهاجة ثم استجدى للمنصور واعتلق بالدعوة العامريّة وصلحت حاله عندهم، وهلك المنصور خلال ذلك ورغب المعز من ابنه عبد الملك المظفّر أن يعيده إلى عمله على مال يحمله إليه وعلى أن يكون ولده معنصر رهينة بقرطبة فأجابه إلى ذلك وكتب له عهده وأنفذ به وزيره أبا علي بن خديم [1] (ونسخته) : بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله علي سيدنا محمد وآله من الحاجب المظفّر سيف الدولة دولة الامام الخليفة هشام المؤيد باللَّه أمير المؤمنين أطال الله بقاءه عبد الملك بن المنصور بن أبي عامر إلى كافة مدنيّي فاس وكافة أهل المغرب سلّمهم الله أمّا بعد أصلح الله شأنكم وسلّم أنفسكم وأديانكم، فالحمد للَّه علّام الغيوب وغفّار الذنوب ومقلّب القلوب ذي البطش الشديد المبدئ المعيد الفعّال لما يريد، لا رادّ لأمره، ولا معقّب لحكمه، بل له الملك والأمر، وبيده الخير والشرّ، إيّاه نعبد وإيّاه نستعين، وإذا قضى أمرا فإنّما يقول له كن فيكون. وصلى الله على سيّدنا محمد سيّد المرسلين وعلى آله الطيبين، وجميع الأنبياء والمرسلين والسلام عليكم أجمعين.
__________
[1] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة اخرى: علي بن جدلم.

الصفحة 46