كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 7)

وإن المعزّ بن زيري بن عطيّة أكرمه الله تابع رسله لدينا وكتبه متنصّلا من هنات دفعته إليها ضرورات، ومستغفرا من سيئات حطتها من توبته حسنات، والتوبة محاء الذنب، والاستغفار منقذ من العيب [1] . وإذا أذن الله بشيء يسرّه، وعسى أن تكرهوا شيئا ولكم فيه خير. وقد وعد من نفسه استشعار الطاعة، ولزوم الجادة، واعتقاد الاستقامة وحسن المعونة وخفة المؤنة، فولّيناه ما قبلكم، وعهدنا إليه أن يعمل بالعدل فيكم، وأن يرفع أعمال الجور عنكم. وأن يعمّر سبلكم، وأن يقبل من محسنكم ويتجاوز عن مسيئكم إلّا في حدود الله تبارك وتعالى. وأشهدنا الله عليه بذلك وكفى باللَّه شهيدا. وقد وجّهنا الوزير أبا علي بن خديم أكرمه الله وهو من ثقاتنا ووجوه رجالنا ليأخذ بشأنه ويؤكد العهد فيه عليه بذلك، وأمرناه بإشراككم فيه ونحن بأمركم معتنون وأحوالكم مطالعون، وأن يقضي على الأعلى للأدنى، ولا يرتضي فيكم بشيء من الأدنى فثقوا بذلك وأسكنوا إليه وليمض القاضي أبو عبد الله أحكامه مشدودا ظهره بنا، معقودا سلطانه بسلطاننا، ولا تأخذه في الله لومة لائم، فذلك طبنا به إذ ولّيناه، وأملنا فيه إذ قلّدناه، والله المستعان، وعليه التكلان، لا إله إلّا هو، وتبلغوا منا سلاما طيبا جزيلا ورحمة الله وبركاته كتب في ذي القعدة من سنة ست وتسعين وثلاثمائة.
(ولما وصل) إلى المعز بن زيري عهد المظفّر بولايته على المغرب ما عدا كورة سجلماسة، فإنّ واضحا مولى المنصور عهد في ولايته على المغرب بها لواندين بن خزرون بن فلفول حسبما نذكره، فلم تدخل في ولاية المعز هذه. فلمّا وصله عهد المظفّر ضمّ نشره [2] وثاب إليه نشاطه، وبثّ عمّاله في جميع كور المغرب وجبى خراجها، ولم تزل ولايته متسقة، وطاعة رعاياه منتظمة.
(ولما) افترق أمر الجماعة بالأندلس واختلّ رسم الخلافة وصار الأمر فيها طوائف استحدث المعزّ في التغلّب على سجلماسة وانتزاعها من أيدي بني واندين بن خزرون فأجمع لذلك، ونهض إليه سنة سبع وأربعمائة وبرزوا إليه في جموعهم فهزموه، ورجع إلى فاس في فلّ من قومه وأقام على الاضطراب من أمره إلى أن هلك سنة سبع عشرة وأربعمائة وولي من بعده ابن عمه حمامة بن المعز بن عطية، وليس كما يزعم
__________
[1] وفي نسخة ثانية: العتب.
[2] النشر: القوم المتفرقون لا يجمعهم رئيس.

الصفحة 47