كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 7)

بعض المؤرخين انه ابنه وإنما هو اتفاق في الأسماء أوجب هذا الغلط، فاستولى حمامة هذا على عملهم واستفحل ملكه، وقصده الأمراء والعلماء وأتته الوفود ومدحه الشعراء ثم نازعه الأمر أبو الكمال تميم بن زيري بن يعلى اليفرني سنة أربع وعشرين وأربعمائة من بني يدوي بن يعلى المتغلبين على نواحي سلا، وزحف إلى فاس في قبائل بني يفرن ومن انضاف إليهم من زناتة.
وبرز إليه حمامة في جموع مغراوة ومن إليهم فكانت بينهم حروب شديدة أجلت عن هزيمة حمامة. ومات من مغراوة أمم واستولى تميم على فاس وأمال المغرب، ولما دخل فاس استباح يهود وسبى حرمهم واصطلم نعمتهم، ولحق حمامة بوجدة فامتدّ من هنالك من قبائل مغراوة من أنجاد مديونة وملوية. وزحف إلى فاس فدخلها سنة تسع وعشرين وأربعمائة وتحيّز تميم إلى موضع إمارته من سلا وأقام حمامة في سلطان المغرب.
وزحف إليه سنة ثلاثين وأربعمائة القائد ابن حمّاد صاحب القلعة في جموع صنهاجة، وخرج إليه مجمعا حربه، وبثّ القائد عطاءه في زناتة واستعبدهم [1] على صاحبهم حمامة، فأقصر عن لقائه ولاذ منه بالسلم والطاعة، رجع القائد عنه ورجع هو إلى فاس. وهلك سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة فولّي بعده ابنه دوناس ويكنّى أبا العطاف، واستولى على فاس وسائر عمل أبيه، وخرج عليه لأوّل أمره حمّاد ابن عمه معنصر بن المعز فكانت له معه حروب ووقائع، وكثرت جموع حمّاد فغلب دوناس على الضواحي وأحجره بمدينة فاس وخندق دوناس على نفسه الخندق المعروف بسياج حماد، وقطع حمّاد جرية الوادي عن عدوة القرويين إلى أن هلك محاصرا لها سنة خمس وثلاثين وأربعمائة فاستقامت دولة دوناس، وانفسحت أيامه، وكثر العمران ببلده، واحتفل في تشييد المصانع وأدار السور على أرباضها، وبنى بها الحمامات والفنادق فاستبحر عمرانها ورحل التجّار إليها بالبضائع، وهلك دوناس سنة إحدى وخمسين وأربعمائة فولي بعده ابنه الفتوح ونزل بعدوة الأندلس ونازعه الأمر أخوه الأصغر عجيسة وامتنع بعدوة القرويين، وافترق أمره بافتراقهما وكانت الحرب بينهما سجالا، ومجالها بين المدينتين حيث يفضي باب النقبة بعدوة القرويين لهذا العهد، وشيّد الفتوح باب عدوة الأندلس وهو مسمّى به إلى الآن، واختطّ عجيسة
__________
[1] وفي نسخة ثانية: واستفسرهم.

الصفحة 48