كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 7)

باب الجيسة وهو أيضا مسمّى به وإنما حذفت عينه لكثرة الاستعمال [1] وأقاموا على ذلك إلى أن غدر الفتوح بعجيسة أخيه سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة وبيّته فظفر به وقتله، ودهم المغرب أثر ذلك على ما دهمه من أمر المرابطين من لمتونة، وخشي الفتوح مغبّة أحوالهم فأفرج عن فاس.
وزحف صاحب القلعة بلكين بن محمد بن حمّاد إلى المغرب سنة أربع وخمسين وأربعمائة على عادتهم في غزوة، ودخل فاس واحتمل من أكابرهم وأشرافهم رهنا على الطاعة، وقفل إلى قلعته. وولّى على المغرب بعد الفتوح معنصر بن حماد بن معنصر [2] ، وشغل بحروب لمتونة. وكانت له عليهم الوقعة المشهورة سنة خمس وخمسين وأربعمائة ولحق بضرية [3] وملك يوسف بن تاشفين والمرابطون، فاس وخلّف عليها عامله وارتحل إلى غمارة فخالفه معنصر إلى فاس وملكها وقتل العامل ومن معه من لمتونة، ومثّل بهم بالحرق والصلب. ثم زحف إلى مهدي ابن يوسف الكترنائي [4] صاحب مدينة مكناسة، وقد كان دخل في دعوة المرابطين فهزمه وقتله وبعث برأسه إلى سكوت البرغواطي الحاجب صاحب سبتة. وقد بلغ الخبر إلى يوسف بن تاشفين فسرّح عساكر المرابطين لحصار فاس فأخذوا بمخنقها، وقطعوا المرافق عنها حتى اشتدّ بأهلها الحصار ومسّهم الجهد. وبرز معنصر لإحدى الراحتين فكانت الدبرة عليه، وفقد في الملحمة ذلك اليوم سنة ستين وأربعمائة وبايع أهل فاس من بعده لابنه تميم بن معنصر فكانت أيامه أيام حصار وفتنة وجهد وغلاء. وشغل يوسف بن تاشفين عنهم بفتح بلاد غمارة حتى إذا كان سنة اثنتين وستين وأربعمائة وفرغ من فتح غمارة صمد إلى فاس فحاصرها أياما، ثم اقتحمها عنوة وقتل بها زهاء ثلاثة آلاف من مغراوة وبني يفرن ومكناسة وقبائل زنانة. وهلك تميم في جملتهم حتى أعوزت مواراتهم فرادى، فاتخذت لهم الأخاديد وقبروا جماعات. وخلص من نجا من القتل منهم إلى تلمسان، وأمر يوسف بن تاشفين بهدم الأسوار التي كانت فاصلة بين العدوتين وصيّرهما مصرا، وأدار عليهما سورا واحدا، وانقرض أمر مغراوة من فاس والبقاء للَّه سبحانه وتعالى.
__________
[1] وفي نسخة ثانية: لكثرة الدوران في استعمالهم.
[2] وفي نسخة ثانية: بن منصور.
[3] وفي نسخة ثانية: ولحق بصدينة.
[4] وفي نسخة ثانية: الكزنائي.

الصفحة 49