كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 7)

الدولة، وكان يغصّ بمكان يأنس الصقلي منها، فأبعده عن الحضرة لولاية برقة.
ثم لمّا تتابعت رغبة تمصولة صاحب طرابلس، أشار برجوان ببعث يأنس إليها، فعقد له الحاكم عليها، وأمره بالنهوض إلى عملها فوصلها سنة تسعين وثلاثمائة ولحق تمصولة بمصر وبلغ الخبر إلى باديس، فسرّح القائد جعفر بن حبيب في العساكر ليصدّه عنها. وزحف إليه يأنس فكانت عليه الهزيمة وقتل. ولحق فتّوح بن علي من قوّاده بطرابلس، فامتنع بها ونازلة جعفر بن حبيب وأقام عليها مدّة. وبينما هو محاصر له إذ وصله كتاب يوسف بن عامر عامل قابس يذكر أن فلفول بن سعيد نزل على قابس، وأنه قاصد إلى طرابلس، فرحل جعفر عن البلد إلى ناحية الجبل، وجاء فلفول بن سعيد فنزل بمكانه، وضاقت الحال بجعفر وأصحابه فارتحلوا مصممين على المناجزة وقاصدين قابس، فتخلى فلفول عن طريقهم وانصرفوا الى قابس.
وقدم فلفول مدينة طرابلس فتلقّاه أهلها، ونزل له فتوح بن علي عن إمارتها فملكها، وأوطنها من يومئذ وذلك سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة وبعث بطاعته الى الحاكم فسرّح الحاكم يحيى بن علي بن حمدون، وعقد له على أعمال طرابلس وقابس، فوصل إلى طرابلس، وارتحل معه فلفول وفتوح بن علي بن غفيانان في عساكر زناتة إلى حصار قابس، فحاصروها مدّة ورجعوا إلى طرابلس. ثم رجع يحيى بن علي إلى مصر واستبدّ فلفول بعمل طرابلس، وطالت الفتنة بينه وبين باديس، ويئس من صريخ مصر فبعث بطاعته إلى المهدي محمد بن عبد الجبّار بقرطبة، وأوفد إليه رسله في الصريخ والمدد، وهلك فلفول قبل رجوعهم إليه سنة أربعمائة، واجتمعت زناتة إلى أخيه ورّوا بن سعيد.
وزحف باديس إلى طرابلس وأجفل ورّوا ومن معه من زناتة عنها، ولحق بباديس من كان بها من الجند، فلقوه في طريقه، وتمادى إلى طرابلس فدخلها ونزل قصر فلفول، وبعث إليه وورّوا بن سعيد يسأل الأمان له ولقومه، فبعث إليه محمد بن حسن من صنائعه، فاستقدم وفدهم بأمانه فوصلهم، وولّى وورّوا على نفزاوة والنعيم ابن كنون على قسطيلية وشرط عليهم أن يرحلوا بقومهم عن أعمال طرابلس، فرجعوا إلى أصحابهم. وارتحل باديس إلى القيروان، وولّى على طرابلس محمد بن الحسن. ونزل ورّوا بنفزاوة والنعيم بقسطيلية.
(ثم انتقض) ورّوا سنة إحدى وأربعمائة، ولحق بجبال ايدمر فتعاقدوا على

الصفحة 56