كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 7)

من جانب المشرق يسمّى تمنطيت، وهو بلد مستجر في العمران، وهو محط ركاب التجار المتردّدين من المغرب إلى بلد مالي من السودان لهذا العهد، ومن بلد مالي إليه، وبينه وبين ثغر بلاد مالي المسمّى غار، المفازة المجهلة لا يهتدي فيها للسبل، ولا يمر الوارد إلّا بالدليل الخبير [1] من الملثمين الظواعن بذلك القفز، يستأجره التجّار على الدربة بهم فيها بأوفر الشروط، وكانت بلد بودي [2] وهي أعلى تلك القصور بناحية المغرب من بادية السوس هي الركاب إلى والاتن الثغر الآخر من أعمال مالي. ثم أهملت لما صارت الأعراب بادية السوس يغيرون على سابلتها ويعترضون رفاقها، فتركوا تلك ونهجوا الطريق إلى بلد السودان من أعلى تمنطيت.
ومن هذه القصور قبلة تلمسان، وعلى عشر مراحل منها قصور تيكارين [3] وهي كثيرة تقارب المائة في بسيط واد منحدر من المغرب إلى المشرق، واستبحرت في العمران وغصت بالساكن. وأكثر سكان هذه القصور الغريبة في الصحراء بنو يامدس هؤلاء ومعهم من سائر قبائل البربر مثل ورتطغير ومصاب وبني عبد الواد وبني مرين، وهم أهل عدد وعدة وبعد عن هضمة الأحكام وذلّ المغارم، وفيهم الرجّالة والخيّالة وأكثر معاشهم من بلح النخل [4] ، وفيهم التجّار إلى بلاد السودان وضواحيهم كلّها مشتاة للعرب، ومختصة بعبيد الله من المعقل، عيّنتها لهم قسمة الرحلة. وربما شاركهم بنو عامر بن زغبة في تيكرارين فتصل إليها ناجعتهم بعض السنين.
وأمّا عبيد الله فلا بدّ لهم في كل سنة من رحلة الشتاء إلى قصور توات وبلد تمنطيت، ومع ناجعتهم تخرج قفول التجّار من الأمصار والتلول حتى يحطوا بتمنطيت. ثم يبذرقون منها إلى بلاد السودان. وفي هذه البلاد الصحراوية غريبة في استنباط المياه الجارية لا توجد في تلول المغرب، وذلك أنّ البئر تحفر عميقة بعيدة المهوى وتطوى جوانبها إلى أن يوصل بالحفر إلى حجارة صلدة، فتنحت بالمعاول والفؤوس إلى أن يرقّ جرمها، ثم تصعد الفعلة ويقذفون عليها زبرة من الحديد تكسر طبقها على الماء،
__________
[1] وفي نسخة ثانية: المخرّيث.
[2] وفي النسخة الباريسية: هودي.
[3] وفي نسخة ثانية: تيكورارين.
[4] وفي نسخة ثانية: من فلح النخل.

الصفحة 77