كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 7)

جراميزه، وقطع الدعاء للخليفة المستنصر سنة تسع وخمسين وستمائة، وبلغ الخبر الى تونس فسرّح الخليفة أخاه في عسكر من الموحدين في جملته «دون الديك بن هرنزة [1] » من آل أدفونش ملوك الجلالقة، كان نازعا إليه عن أبيه في طائفة من قومه، فنازلوا مليانة أياما. وداخل السلطان طائفة من مشيخة البلد المنحرفين عن ابن الملياني، فسرّب إليهم جنودا بالليل واقتحموها من بعض المداخل، وفرّ أبو عليّ الملياني تحت الليل. وخرج من بعض قنوات البلد، فلحق بأحياء العرب، ونزل على يعقوب بن موسى بن العطاف من بطون زغبة، فأجاره إلى أن لحق بعدها بيعقوب بن عبد الحق، فكان من أمره ما ذكرناه في أخبارهم. وانصرف عسكر الموحدين والأمير أبو حفص إلى الحضرة، وعقد لمحمد بن منديل على مليانة، فأقام بها الدعوة الحفصية على سنن قومه. ثم هلك محمد بن منديل سنة اثنتين وستين وستمائة لخمس عشرة من ولايته، قتله أخواه ثابت وعابد بمنزل ظواعنهم بالخيس [2] من بسيط بلادهم، وقتل معه عطية ابن أخيه منيف وتولّى عابد وشاركه ثابت في الأمر، واجتمع إليه قومه وتقطع ما بين أولاد منديل وخشّنت صدورهم. واستغلظ يغمراسن بن زيان عليهم، وداخله عمر بن منديل في أن يمكّنه من مليانة، ويشدّ عضده على رياسة قومه، فشارطه على ذلك وأمكنه من أزمّة البلد سنة ثمان وستين وستمائة ونادى بعزل ثابت ومؤازرة عمر على الأمر فتمّ لهما ما أحكماه من أمرهما في مغراوة. واستمكن بها يغمراسن من قيادة قومه. ثم تناغى أولاد منديل في الازدلاف إلى يغمراسن بمثلها نكاية لعمر، فاتفق ثابت وعابد أولاد منديل أن يحكماه من تونس [3] فأمكناه منها سنة اثنتين وسبعين وستمائة على اثني عشر ألفا من الذهب.
واستمرّت ولاية عمر إلى أن هلك سنة ست وسبعين وستمائة، فاستقل ثابت بن منديل برياسة مغراوة، وأجاز عابد أخوه إلى الأندلس للرباط والجهاد مع صاحبيه زيّان بن محمد بن عبد القوي وعبد الملك بن يغمراسن فحوّل زناتة واسترجع ثابت بلاد تونس ومليانة من يد يغمراسن، ونبذ إليه العهد، ثم استغلظ يغمراسن عليهم واستردّ تونس سنة إحدى وثمانين وستمائة بين يدي مهلكه.
__________
[1] وفي نسخة اخرى: دون الريك بن هراندة.
[2] وفي نسخة اخرى: بالخميس.
[3] وفي نسخة ثانية: في تنس.

الصفحة 89