كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 7)

ثم سرّح أخاه أبا يحيى بن يعقوب ثانية سنة أربع وسبعمائة فاستولى على بلاد مغراوة، ولحق راشد بجبال صنهاجة من متيجة، ومعه عمّه منيف بن ثابت ومن اجتمع إليهم من قومهم، فنازلهم أبو يحيى بن يعقوب. وراسل راشد يوسف بن يعقوب فانعقدت بينهما السلم، ورجعت العساكر عنهم. وأجاز منيف بن ثابت معه بنيه وعشيرته إلى الأندلس، فاستقرّوا هنالك آخر الأيام.
(ولمّا هلك) يوسف بن يعقوب بمناخه على تلمسان آخر سنة ست وسبعمائة انعقدت السلم بين حافده أبي ثابت وبين أبي زيّان بن عثمان سلطان بني عبد الواد على أن يخلي له بنو مرين عن جميع ما ملكوه من أمصارهم وأعمالهم وثغورهم، وبعثوا في حاميتهم وعمّالهم وأسلموها لعمّال أبي زيّان. وكان راشد قد طمع في استرجاع بلاده، وزحف إلى مليانة فأحاط بها. فلما نزل عنها بنو مرين لأبي زيّان وصارت مليانة وتونس له، أخفق سعي راشد وأفرج عن البلد. ثم كان مهلك أبي زيّان قريبا، وولّى أخوه أبو حمّو موسى بن عثمان واستولى على المغرب الأوسط فهلك تافريكت [1] سنة سبع وسبعمائة وملك بعدها مليانة والمريّة، ثم ملك تونس وعقد عليها لمولاه مسامح، وقارن ذلك حركة صاحب بجاية السلطان أبي البقاء خالد ابن مولانا الأمير أبي زكريا ابن السلطان أبي إسحاق إلى متيجة لاسترجاع الجزائر من يد ابن علان الثائر بها عليهم، فلقيه هنالك راشد بن محمد وصار في جملته وظاهره على شأنه. ولقاه السلطان تكرمة وبرّا، وعقد له ولقومه حلفا مع صنهاجة أولياء الدولة والمتغلّبين على ضاحية بجاية وجبال زواوة، فاتصلت يد راشد بيد زعيمهم يعقوب بن خلوف أحد زعماء الدولة.
ولما نهض السلطان للاستيثار بملك الحضرة بتونس، استعمل يعقوب بن خلوف على بجاية وعسكر معه راشد بقومه، وأبلى في الحروب بين يديه وأغنى في مظاهرة أوليائه حتى إذا ملك حضرتهم واستولى على تراث سلفهم، أسف حاجب الدولة راشد هذا وقومه بإمضاء الحكم في بعض حشمه، وتعرّض للحرابة في السابلة، فتقبّض عليه ورفع إلى سدّة السلطان فأمضى فيه حكم الله. وذهب راشد مغاضبا ولحق بوليّه ابن خلوف ومضطربه من زواوة. وكان يعقوب بن خلوف قد هلك وولّى السلطان مكانه
__________
[1] وفي نسخة أخرى: تافركينت.

الصفحة 92