كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 7)

ابنه عبد الرحمن، فلم يرع حق أبيه في إكرام صديقه راشد. وتشاجر معه في بعض الأيام مشاجرة نكر عبد الرحمن فيها ملاحاة راشد له، وأنف منها، وأدلّ فيها راشد بمكانه من الدولة وببأس قومه، فلدغه بالقول وتناوله عبد الرحمن وحشمه وخزا بالرماح إلى أن أقعصوه [1] وانذعر جمع مغراوة ولحقوا بالثغور القاصية، وأقفر منهم شلف وما إليه كأن لم يكونوا به فأجاز منهم بنو منيف وبنو يعزن إلى الأندلس للمرابطة بثغور المسلمين، فكانت منهم عصابة موطّنة هناك أعقابهم لهذا العهد. وأقام في جوار الموحّدين فلّ آخر من أوساط قومهم كانوا شوكة في عساكر الدولة إلى أن انقرضوا ولحق علي بن راشد بعمّته في قصر بني يعقوب بن عبد الحق فكفلته، وصار أولاد منديل عصبا إلى وطن بني مرين فتولّوهم وأحسنوا جوارهم، وأصهروا إليهم سائر الدولة، إلى أن تغلّب السلطان أبو الحسن على المغرب الأوسط ومحا دولة آل زيّان، وجمع كلمة زناتة، وانتظم مع بلادهم بلاد إفريقية وعمل الموحدين وكانت نكبته على القيروان سنة تسع وأربعين وسبعمائة كما شرحناه قبل. فانتقضت العمالات والأطراف وانتزى أعياص الملك بمواطنهم الأولى، فتوثّب عليّ بن راشد بن محمد ابن ثابت بن منديل على بلاد شلف وتملّكها وتغلّب على أمصارها مليانة وتنس وبرشك وشرشال، وأعاد ما كان لسلفه بها من الملك على طريقتهم البدوية، وأرهفوا حدّهم لمن طالبهم من القبائل.
وخلص السلطان أبو الحسن من ورطته إلى إفريقية، ثم من ورطة البحر من مرسى الجزائر إلى بجاية يحاول استرجاع ملكه المفرّق، فبعث إلى عليّ بن راشد وذكّره ذمّتهم فتذكر وحنّ، واشترط لنفسه التجافي له عن ملك قومه بشلف على أن يظاهره على بني عبد الواد فأبى السلطان أبو الحسن من اشتراط ذلك له، فتحيّز عنه إلى فينة بني عبد الواد الناجمين بتلمسان كما ذكرناه قبل، وظاهرهم عليه وبرز إليهم السلطان أبو الحسن من الجزائر والتقى الجمعان بشربونة [2] سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فاختلف مصافّ السلطان أبي الحسن وانهزم جمعه، وهلك ابنه الناصر، طاح دمه في مغراوة وهؤلاء. وخرج إلى الصحراء ولحق منها بالمغرب الأقصى كما نذكره بعد.
وتطاول الناجمون بتلمسان من آل يغمراسن الى انتظام بلاد مغراوة في ملكهم كما كان
__________
[1] قال الجوهري: يقال ضربه فاقعصه أي قتله مكانه.
[2] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: شربوبة وفي نسخة ثانية: شدبونة.

الصفحة 93