كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 7)

زَيْدٍ يَقُولُ عُذْتُ بِمَا عَاذَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ ثُمَّ يَخِرُّ سَاجِدًا لِلْكَعْبَةِ قَالَ فَمَرَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَهُمَا يَأْكُلَانِ مِنْ سُفْرَةٍ لَهُمَا فَدَعَيَاهُ فَقَالَ يَا بن أخي لااكل مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ قَالَ فَمَا رُؤِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى وَالْبَزَّارِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا مِنْ مَكَّةَ وَهُوَ مُرْدِفِي فَذَبَحْنَا شَاةً عَلَى بَعْضِ الْأَنْصَابِ فَأَنْضَجْنَاهَا فَلَقِينَا زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مُطَوَّلًا وَفِيهِ فَقَالَ زَيْدٌ إِنِّي لَا آكُلُ مِمَّا لِمَ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ يُجَانِبُ الْمُشْرِكِينَ فِي عَادَاتِهِمْ لَكِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الذَّبْحِ وَكَانَ زَيْدٌ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ لَقِيَهُمْ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فَإِنْ قِيلَ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوْلَى مِنْ زَيْدٍ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مِنْهَا وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أَكَلَ فَزَيْدٌ إِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِرَأْيٍ يَرَاهُ لَا بِشَرْعٍ بَلَغَهُ وَإِنَّمَا كَانَ عِنْدَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَقَايَا مِنْ دَيْنِ إِبْرَاهِيمَ وَكَانَ فِي شَرْعِ إِبْرَاهِيمَ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ لَا تَحْرِيمُ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا نَزَلَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ الشَّرْعِ لَا تُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا بِحُرْمَةٍ مَعَ أَنَّ الذَّبَائِحَ لَهَا أَصْلٌ فِي تَحْلِيلِ الشَّرْعِ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ إِلَى نُزُولِ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا بَعْدَ الْمَبْعَثِ كَفَّ عَنِ الذَّبَائِحِ حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ قُلْتُ وَقَوْلُهُ إِنَّ زَيْدًا فَعَلَ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الدَّاوُدِيِّ إِنَّهُ تَلَقَّاهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّ حَدِيثَ الْبَابِ بَيَّنَ فِيمَا قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَإِنَّ ذَلِك قَالَه زيد بِاجْتِهَادِهِ لَا بِنَقْلٍ عَنْ غَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا وَزَيْدٌ يُصَرِّحُ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَّبِعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمِلَّةِ الْمَشْهُورَةِ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ إِنَّهَا كَالْمُمْتَنِعِ لِأَنَّ النَّوَاهِيَ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ تَقْرِيرِ الشَّرْعِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مُتَعَبِّدًا قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ فَعَلَى هَذَا فَالنَّوَاهِي إِذَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ ذَبَحْنَا شَاةً عَلَى بَعْضِ الْأَنْصَابِ يَعْنِي الْحِجَارَةَ الَّتِي لَيست باصنام وَلَا معبودة وانما هِيَ مِنْ آلَاتِ الْجَزَّارِ الَّتِي يَذْبَحُ عَلَيْهَا لِأَنَّ النُّصُبَ فِي الْأَصْلِ حَجَرٌ كَبِيرٌ فَمِنْهَا مايكون عِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْأَصْنَامِ فَيَذْبَحُونَ لَهُ وَعَلَى اسْمِهِ وَمِنْهَا مَا لَا يُعْبَدُ بَلْ يَكُونُ مِنْ آلَاتِ الذَّبْحِ فَيَذْبَحُ الذَّابِحُ عَلَيْهِ لَا لِلصَّنَمِ أَوْ كَانَ امْتِنَاعُ زَيْدٍ مِنْهَا حَسْمًا لِلْمَادَّةِ قَوْلُهُ فَإِنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ

[3827] قَوْلُهُ قَالَ مُوسَى هُوَ بن عُقْبَةَ وَالْخَبَرُ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إِلَيْهِ وَقَدْ شَكَّ فِيهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ مَا أَدْرِي هَذِهِ الْقِصَّةُ الثَّانِيَةُ مِنْ رِوَايَةِ الْفُضَيْلِ بْنِ مُوسَى أَمْ لَا ثُمَّ سَاقَهَا مُطَوَّلَةً مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَكَذَا أَوْرَدَهَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَالْفَاكِهِيُّ بِالْإِسْنَادَيْنِ مَعًا قَوْلُهُ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا يُحَدِّثُ بِهِ عَن بن عُمَرَ قَدْ سَاقَ الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ فِي الذَّبَائِحِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ مُوسَى بِغَيْرِ شَكٍّ وَسَاقَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هَذَا الثَّانِيَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَذْكُورِ بِالشَّكِّ أَيْضًا فَكَانَ الشَّكُّ فِيهِ مِنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَوْلُهُ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ أَيْ دِينِ التَّوْحِيدِ قَوْلُهُ وَيَتَّبِعُهُ بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ غين مُعْجَمَةٌ أَيْ يَطْلُبُهُ قَوْلُهُ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ الْيَهُودِ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْمَذْكُورِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِزَيْدِ بْنِ عَمْرٍو مَالِي أَرَى قَوْمَكَ قَدْ شَنِفُوا عَلَيْكَ أَيْ أَبْغَضُوكَ وَهُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ النُّونِ بَعْدَهَا فَاءٌ قَالَ خَرَجْتُ أَبْتَغِي الدِّينَ فَقَدِمْتُ عَلَى الْأَحْبَارِ فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ قَوْلُهُ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ أَيْضًا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ لِي شَيْخٌ مِنْ أَحْبَارِ الشَّامِ إِنَّكَ لَتَسْأَلُنِي عَنْ دِينٍ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا

الصفحة 144