كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 7)
(قَوْلُهُ بَابُ ذِكْرِ الْجِنِّ)
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْجِنِّ فِي أَوَائِلِ بَدْءِ الْخَلْقِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ قَوْلُهُ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنّ الْآيَةَ يُرِيدُ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ وَقَدْ انكر بن عَبَّاسٍ أَنَّهُمُ اجْتَمَعُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاس قَالَ ماقرأ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِنِّ وَلَا رَآهُمْ الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْبَابِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي اجْتِمَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِنِّ وَحَدِيثِهِ مَعَهُمْ لَكِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِمْ وَلَا أَنَّهُمُ الْجِنُّ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَئِذٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّمَا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ الْمَدِينَةَ وَقِصَّةُ اسْتِمَاعِ الْجِنِّ لِلْقُرْآنِ كَانَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَيُجْمَعُ بَيْنَ مَا نَفَاهُ وَمَا أَثْبَتَهُ غَيْرُهُ بِتَعَدُّدِ وُفُودِ الْجِنِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي مَكَّةَ فَكَانَ لِاسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ وَالرُّجُوعِ إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ كَمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ وَأَمَّا فِي الْمَدِينَةِ فَلِلسُّؤَالِ عَنِ الْأَحْكَامِ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقُدُومُ الثَّانِي كَانَ أَيْضًا بِمَكَّةَ وَهُوَ الَّذِي يدل عَلَيْهِ حَدِيث بن مَسْعُودٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ وَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ الْقُدُومِ بِمَكَّةَ مَرَّتَيْنِ وَبِالْمَدِينَةِ أَيْضًا قَالَ الْبَيْهَقِيّ حَدِيث بن عَبَّاسٍ حَكَى مَا وَقَعَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ عِنْدَمَا عَلِمَ الْجِنُّ بِحَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرَهُمْ ثُمَّ أَتَاهُ دَاعِي الْجِنِّ مَرَّةً أُخْرَى فَذَهَبَ مَعَهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ كَمَا حَكَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ انْتَهَى وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ هَبَطُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِبَطْنِ نَخْلٍ فَلَمَّا سَمِعُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا وَكَانُوا سَبْعَةً أحدهم زَوْبَعَة قلت وَهَذَا يُوَافق حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ هَلْ صَحِبَ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً الْجِنِّ قَالَ لَا
الصفحة 171