كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 7)
(قَوْلُهُ بَابُ الْمِعْرَاجِ)
كَذَا لِلْأَكْثَرِ وِلِلنَّسَفِيِّ قِصَّةُ الْمِعْرَاجِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا مِنْ عَرَجَ بِفَتْحِ الرَّاءِ يَعْرُجُ بِضَمِّهَا إِذَا صَعِدَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْمِعْرَاجِ فَقِيلَ كَانَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَهُوَ شَاذٌّ إِلَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ حِينَئِذٍ فِي الْمَنَامِ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ قَالَه بن سعد وَغَيره وَبِه جزم النَّوَوِيّ وَبَالغ بن حَزْمٍ فَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَهُوَ مَرْدُودٌ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ أَقْوَال مِنْهَا مَا حَكَاهُ بن الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَهَا بِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَحَكَى هَذَا الثَّانِيَ أَبُو الرَّبِيعِ بن سَالم وَحكى بن حَزْمٍ مُقْتَضَى الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّهُ قَالَ كَانَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَقِيلَ بِأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا جَزَمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ حَيْثُ قَالَ كَانَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ قبل الْهِجْرَة بِسنة وَرجحه بن الْمُنِيرِ فِي شَرْحِ السِّيرَةِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَقيل قبل الْهِجْرَة بِسنة وشهرين حَكَاهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَقِيلَ قَبْلَهَا بِسَنَةٍ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ حَكَاهُ بن فَارِسٍ وَقِيلَ بِسَنَةٍ وَخَمْسَةِ أَشْهُرٍ قَالَهُ السُّدِّيُّ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فَعَلَى هَذَا كَانَ فِي شَوَّالٍ أَوْ فِي رَمَضَانَ عَلَى إِلْغَاءِ الْكَسْرَيْنِ مِنْهُ وَمِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَبِهِ جَزَمَ الْوَاقِدِيُّ وَعَلَى ظَاهِرِهِ يَنْطَبِقُ مَا ذَكَرَهُ بن قُتَيْبَة وَحَكَاهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَهَا بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شهرا وَعند بن سعد عَن بن أَبِي سَبْرَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي رَمَضَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَقِيلَ كَانَ فِي رَجَب حَكَاهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَقيل قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين حَكَاهُ بن الْأَثِيرِ وَحَكَى عِيَاضٌ وَتَبِعَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَالنَّوَوِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِخَمْسِ سِنِينَ وَرَجَّحَهُ عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ خَدِيجَةَ صَلَّتْ مَعَهُ بَعْدَ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إِمَّا بِثَلَاثٍ أَوْ نَحْوِهَا وَإِمَّا بِخَمْسٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ قُلْتُ فِي جَمِيعِ مَا نَفَاهُ مِنَ الْخِلَافِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ الْعَسْكَرِيَّ حَكَى أَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَبْعِ سِنِينَ وَقِيلَ بِأَرْبَعٍ وَعَن بن الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهَا مَاتَتْ عَامَ الْهِجْرَةِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ اخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ كَانَ مِنْ أَوَّلِ الْبَعْثَةَ وَكَانَ رَكْعَتَيْنِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَيْنِ بِالْعَشِيِّ وَإِنَّمَا الَّذِي فُرِضَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَأَمَّا ثَالِثًا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةِ خَدِيجَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ أَنَّ عَائِشَةَ جَزَمَتْ بِأَنَّ خَدِيجَةَ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ مُرَادَ مَنْ قَالَ بَعْدَ أَنْ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ مَا فُرِضَ قَبْلَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ وَمُرَادُ عَائِشَةَ بِقَوْلِهَا مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ أَيِ الْخَمْسُ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِذَلِكَ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ وَأَمَّا رَابِعًا فَفِي سَنَةِ مَوْتِ خَدِيجَةَ اخْتِلَافٌ آخَرُ فَحَكَى الْعَسْكَرِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهَا مَاتَتْ لِسَبْعٍ مَضَيْنَ مِنَ الْبَعْثَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسِتِّ سِنِينَ فَرَّعَهُ الْعَسْكَرِيُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُدَّةَ بَيْنَ الْبَعْثَةِ وَالْهِجْرَةِ كَانَتْ عَشْرًا
[3887] قَوْلُهُ عَنْ أَنَسٍ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَوْلُهُ عَنْ مَالِكِ بن صعصعة أَي بن وَهْبِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بني النجار مَاله فِي الْبُخَارِيِّ وَلَا فِي غَيْرِهِ سِوَى هَذَا الحَدِيث وَلَا يعرف رَوَى عَنْهُ إِلَّا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَوْلُهُ حَدَّثَهُ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ أُسْرِيَ بِهِ وَكَذَا لِلنَّسَفِيِّ وَقَوْلُهُ أُسْرِيَ بِهِ
الصفحة 203