كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 7)
عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْرِيرِ وُقُوعِ الْإِسْرَاءِ مَرَّتَيْنِ قَوْلُهُ فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ فِي رِوَايَةِ بَدْءِ الْخَلْقِ فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ وَلَا مُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا نَحَا إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ رِوَايَةَ بَدْءِ الْخَلْقِ تُشْعِرُ بِأَنَّهُ مَا احْتَاجَ إِلَى جِبْرِيلَ فِي الْعُرُوجِ بَلْ كَانَا مَعًا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنْ مُعْظَمُ الرِّوَايَاتِ جَاءَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ جِبْرِيلَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَانَ دَلِيلًا لَهُ فِيمَا قَصَدَ لَهُ فَلِذَلِكَ جَاءَ سِيَاقُ الْكَلَامِ يُشْعِرُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ اسْتَمَرَّ عَلَى الْبُرَاقِ حَتَّى عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَام بن أَبِي جَمْرَةَ الْمَذْكُورِ قَرِيبًا وَتَمَسَّكَ بِهِ أَيْضًا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ فِي لَيْلَةٍ غَيْرِ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَمَّا الْعُرُوجُ فَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبُرَاقِ بَلْ رَقِيَ الْمِعْرَاجَ وَهُوَ السُّلَّمَ كَمَا وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيث أبي سعيد عِنْد بن إِسْحَاقَ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ وَلَفْظُهُ فَإِذَا أَنَا بِدَابَّةٍ كَالْبَغْلِ مُضْطَرِبَ الْأُذُنَيْنِ يُقَالُ لَهُ الْبُرَاقُ وَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَرْكَبُهُ قَبْلِي فَرَكِبْتُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ ثُمَّ دَخَلْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصليت ثمَّ أتيت بالمعراج وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَمَّا فَرَغْتُ مِمَّا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أُتِيَ بِالْمِعْرَاجِ فَلَمْ أَرَ قَطُّ شَيْئًا كَانَ أَحْسَنَ مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي يَمُدُّ إِلَيْهِ الْمَيِّتُ عَيْنَيْهِ إِذَا حُضِرَ فَأَصْعَدَنِي صَاحِبِي فِيهِ حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةِ كَعْبٍ فَوُضِعَتْ لَهُ مَرْقَاةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَمَرْقَاةٌ مِنْ ذَهَبٍ حَتَّى عَرَجَ هُوَ وَجِبْرِيلُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي سَعِيدٍ فِي شَرَفِ الْمُصْطَفَى أَنَّهُ أُتِيَ بِالْمِعْرَاجِ مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ وَأَنَّهُ مُنَضَّدٌ بِاللُّؤْلُؤِ وَعَنْ يَمِينِهِ مَلَائِكَةٌ وَعَنْ يَسَارِهِ مَلَائِكَةٌ وَأَمَّا الْمُحْتَجُّ بِالتَّعَدُّدِ فَلَا حُجَّةَ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ التَّقْصِيرُ فِي ذَلِكَ الْإِسْرَاءِ مِنَ الرَّاوِي وَقَدْ حَفِظَهُ ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ فَوَصَفَهُ قَالَ فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي تَرْبِطُ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ بِإِنَاءَيْنِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ قَالَ ثُمَّ عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ دَالٌّ عَلَى الِاتِّحَادِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْبَحْثِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ أَنْكَرَهُ حُذَيْفَةُ فَرَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ قَالَ تُحَدِّثُونَ أَنَّهُ رَبَطَهُ أَخَافَ أَنْ يَفِرَّ مِنْهُ وَقَدْ سَخَّرَهُ لَهُ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي يَعْنِي مَنْ أَثْبَتَ رَبْطَ الْبُرَاقِ وَالصَّلَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ عَلَى مَنْ نَفَى ذَلِكَ فَهُوَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ لَمَّا كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ فَأَتَى جِبْرِيلُ الصَّخْرَةَ الَّتِي بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَوَضَعَ إِصْبَعَهُ فِيهَا فَخَرَقَهَا فَشَدَّ بِهَا الْبُرَاقَ وَنَحْوَهُ لِلتِّرْمِذِيِّ وَأَنْكَرَ حُذَيْفَةُ أَيْضًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى فِيهِ لَكُتِبَ عَلَيْكُمُ الصَّلَاةُ فِيهِ كَمَا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصَّلَاةُ فِي الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَنْعُ التَّلَازُمِ فِي الصَّلَاةِ إِنْ كَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْفَرْضُ وَإِنْ أَرَادَ التَّشْرِيعَ فَنَلْتَزَمُهُ وَقَدْ شَرَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَرَنَهُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِهِ فِي شَدِّ الرِّحَالِ وَذَكَرَ فَضِيلَةَ الصَّلَاةِ فِيهِ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَأَوْثَقْتُ دَابَّتِي بِالْحَلْقَةِ الَّتِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَرْبِطُ بِهَا وَفِيهِ فَدَخَلْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ وَزَادَ ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَعَرَفْتُ النَّبِيِّينَ مِنْ بَيْنِ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وَسَاجِدٍ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَنَسٍ عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى اجْتَمَعَ نَاسٌ كَثِيرٌ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَقُمْنَا صُفُوفًا نَنْتَظِرُ مَنْ يَؤُمُّنَا فَأَخَذَ بِيَدِي جِبْرِيلُ فَقَدَّمَنِي فَصَلَّيْتُ بِهِمْ وَفِي حَدِيثِ بن
الصفحة 208