كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 7)
هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَالْخَمْرَ وَاللَّبَنَ فَأَخَذَ اللَّبَنَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ وَلَوْ شَرِبْتَ الْمَاءَ لَغَرِقْتَ وَغَرِقَتْ أُمَّتُكَ وَلَوْ شَرِبْتَ الْخَمْرَ لَغَوَيْتَ وَغَوَتْ أُمَّتُكَ وَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ إِمَّا بِحَمْلِ ثُمَّ عَلَى غَيْرِ بَابِهَا مِنَ التَّرْتِيبِ وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى الْوَاوِ هُنَا وَإِمَّا بِوُقُوعِ عَرْضِ الْآنِيَةِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلَاةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَسَبَبُهُ مَا وَقَعَ لَهُ مِنَ الْعَطَشِ وَمَرَّةً عِنْدَ وُصُولِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَرُؤْيَةِ الْأَنْهَارِ الْأَرْبَعَةِ أَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي عَدَدِ الْآنِيَةِ وَمَا فِيهَا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ ذَكَرَ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْآخَرُ وَمَجْمُوعُهَا أَرْبَعَةُ آنِيَةٍ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ مِنَ الْأَنْهَارِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي رَآهَا تَخْرُجُ مِنْ أَصْلِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ لَمَّا ذَكَرَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى يَخْرُجُ أَصْلُهَا مِنْ أَنْهَارٍ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَمِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَمِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَمِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى فَلَعَلَّهُ عُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَهْرٍ إِنَاءٌ وَجَاءَ عَنْ كَعْبٍ أَنَّ نَهْرِ الْعَسَلِ نَهْرُ النِّيلِ وَنَهْرَ اللَّبَنِ نَهْرُ جَيْحَانَ وَنَهْرَ الْخَمْرِ نَهْرُ الْفُرَاتِ وَنَهْرَ الْمَاءِ سَيْحَانُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَاةُ تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ فَرْضِ الصَّلَاةِ بِلَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عُرِجَ بِهِ رَأَى فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ تَعَبُّدَ الْمَلَائِكَةِ وَأَنَّ مِنْهُمُ الْقَائِمَ فَلَا يَقْعُدُ وَالرَّاكِعَ فَلَا يَسْجُدُ وَالسَّاجِدَ فَلَا يَقْعُدُ فَجَمَعَ اللَّهُ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ تِلْكَ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يُصَلِّيهَا الْعَبْدُ بِشَرَائِطِهَا من الطُّمَأْنِينَة وَالْإِخْلَاص أَشَارَ إِلَى ذَلِك بن أبي جَمْرَة وَقَالَ وَفِي اخْتِصَاصِ فَرْضِيَّتِهَا بِلَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ إِشَارَةٌ إِلَى عَظِيمِ بَيَانِهَا وَلِذَلِكَ اخْتُصَّ فَرْضُهَا بِكَوْنِهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ بَلْ بِمُرَاجَعَاتٍ تَعَدَّدَتْ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَوْلُهُ وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَلَكِنِّي ارضى واسلم وَفِيه حذف تَقْدِير الْكَلَامِ سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ فَلَا أَرْجِعُ فَإِنِّي إِنْ رَجَعْتُ صِرْتُ غَيْرَ رَاضٍ وَلَا مُسَلِّمٌ وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ قَوْلُهُ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي تَقَدَّمَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ حَتَّى قَالَ يَا مُحَمَّدُ هِيَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كُلُّ صَلَاةٍ عَشْرَةٌ فَتِلْكَ خَمْسُونَ صَلَاةً وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي الرِّقَاقِ وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَأَتَيْتُ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى فَغَشِيَتْنِي ضَبَابَةٌ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا فَقِيلَ لِي إِنِّي يَوْمَ خَلَقْتُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَرَضْتُ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَّتِكَ خَمْسِينَ صَلَاةً فَقُمْ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتُكَ فَذَكَرَ مُرَاجَعَتَهُ مَعَ مُوسَى وَفِيهِ فَإِنَّهُ فَرَضَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ صَلَاتَانِ فَمَا قَامُوا بِهِمَا وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَخَمْسٌ بِخَمْسِينَ فَقُمْ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتُكَ قَالَ فَعَرَفْتُ أَنَّهَا عَزْمَةٌ مِنَ اللَّهِ فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ لِي ارْجِعْ فَلَمْ أَرْجِعْ قَوْلُهُ فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَانِي مُنَادٍ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي هَذَا مِنْ أَقْوَى مَا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَلَّمَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ تَكْمِلَةٌ وَقَعَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ زِيَادَاتٌ رَآهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ وَفِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّة تبَارك وَتَعَالَى فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً الْحَدِيثَ وَقَدِ اسْتُشْكِلَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ مِنَ الزِّيَادَةِ أَيْضًا ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَة
الصفحة 216