كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 7)

السّريَّة وَأما أبان فَهُوَ بن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ وَهُوَ عَمُّ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الَّذِي حَدَّثَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَانَ إِسْلَامُ أَبَانَ بَعْدَ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَوَّلًا فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الشُّرُوطِ وَغَيْرِهَا أَنَّ أَبَانَ هَذَا أَجَارَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ وَبَلَّغَ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَدَّمَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ أَنَّ غَزْوَةَ خَيْبَرَ كَانَتْ عَقِبَ الرُّجُوعِ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَيُشْعِرُ ذَلِكَ بِأَنَّ أَبَانَ أَسْلَمَ عَقِبَ الْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى أَمْكَنَ أَن يَبْعَثهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَرِيَّةٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَلِيٍّ فِي الْأَخْبَارِ سَبَبَ إِسْلَامِ أَبَانَ فَرَوَى مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَالَ قُتِلَ أَبِي يَوْمَ بَدْرٍ فَرَبَّانِي عَمِّي أَبَانُ وَكَانَ شَدِيدًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسُبُّهُ إِذَا ذُكِرَ فَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَرَجَعَ فَلَمْ يَسُبَّهُ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَ أَنَّهُ لَقِيَ رَاهِبًا فَأَخْبَرَهُ بِصِفَتِهِ وَنَعْتِهِ فَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ تَصْدِيقُهُ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَسْلَمَ فَإِنْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُ أَبَانَ إِلَى الشَّامِ كَانَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ قَوْلُهُ وَإِنَّ حُزُمَ بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ مَضْمُومَتَيْنِ قَوْله لليف بلام للتَّأْكِيد وَاللِّيفُ مَعْرُوفٌ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ اللِّيفُ عَلَى أَنه أَنَّهُ خَبَرُ إِنَّ بِغَيْرِ تَأْكِيدٍ قَوْلُهُ وَأَنْتَ بِهَذَا أَيْ وَأَنْتَ تَقُولُ بِهَذَا أَوْ وَأَنْتَ بِهَذَا الْمَكَانِ وَالْمَنْزِلَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ كَوْنِكَ لَسْتَ مِنْ أَهله وَلَا من قومه ولامن بِلَادِهِ قَوْلُهُ يَا وَبْرُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ دَابَّةٌ صَغِيرَةٌ كَالسِّنَّوْرِ وَحْشِيَّةٌ وَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الْقَالِيُّ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يُسَمِّي كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ حَشَرَاتِ الْجِبَالِ وَبْرًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَرَادَ أَبَانُ تَحْقِيرَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَدْرِ مَنْ يُشِيرُ بِعَطَاءٍ وَلَا مَنْعٍ وَأَنَّهُ قَلِيلُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِتَال انْتهى وَنقل بن التِّينِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُلْصَقٌ فِي قُرَيْشٍ لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالَّذِي يَعْلَقُ بِوَبَرِ الشَّاةِ مِنَ الشَّوْكِ وَغَيْرِهِ وَتعقبه بن التِّينِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةِ وَبَرٌ بِالتَّحْرِيكِ قَالَ وَلَمْ يُضْبَطْ إِلَّا بِالسُّكُونِ قَوْلُهُ تَحَدَّرَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى تَدَلَّى وَهِيَ بِمَعْنَاهَا وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا تَدَأْدَأَ بِمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ قِيلَ أَصْلُهُ تَدَهْدَأَ فَأُبْدِلَتِ الْهَاءُ هَمْزَةً وَقِيلَ الدَّأْدَأَةُ صَوْتُ الْحِجَارَةِ فِي الْمَسِيلِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي تَدَأْرَأَ بِرَاءِ بَدَلَ الدَّالِ الثَّانِيَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ تَرَدَّى وَهِيَ بِمَعْنَى تَحَدَّرَ وَتَدَلَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ تَهَجَّمَ عَلَيْنَا بَغْتَةً قَوْلُهُ مِنْ رَأْسٍ ضَالٍّ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِاللَّامِ وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا بِالنُّونِ وَقَدْ فَسَّرَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي الضَّالُّ بِاللَّامِ فَقَالَ هُوَ السِّدْرُ الْبَرِّيُّ وَكَذَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ إِنَّهُ السِّدْرُ الْبَرِّيُّ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ الضَّالُّ سِدْرَة الْبر وَتقدم كَلَام بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِي ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الْجِهَادِ وَأَنَّهُ السِّدْرُ الْبَرِّيُّ وَأَمَّا قَدُومُ فَبِفَتْحِ الْقَافِ لِلْأَكْثَرِ أَيْ طَرَفٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِضَمِّ الْقَافِ وَأَمَّا الضَّانُّ فَقِيلَ هُوَ رَأْسُ الْجَبَلِ لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ مَوْضِعُ مَرْعَى الْغَنَمِ وَقِيلَ هُوَ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَهُوَ جَبَلٌ لِدَوْسٍ قَوْمِ أَبِي هُرَيْرَةَ

[4239] قَوْلُهُ يَنْعَى بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ أَيْ يَعِيبُ عَلَى يُقَالُ نَعَى فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ أَمْرًا إِذَا عَابَهُ وَوَبَّخَهُ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ حَامِدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ يُعَيِّرُنِي قَوْلُهُ وَمَنَعَهُ أَنْ يُهِنِّيَ بِالتَّشْدِيدِ أَصْلُهُ يُهِينُنِي فَأُدْغِمَتْ إِحْدَى النُّونَيْنِ فِي الْأُخْرَى وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ وَمَنَعَهُ أَنْ يُهِينَنِي بِيَدِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَقِيَّةُ شَرْحِهِ فِي الْجِهَادِ قِيلَ وَقَعَ فِي إِحْدَى الطَّرِيقَيْنِ مَا يَدْخُلُ فِي قسم المقلوب فَإِن فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَة أَن أَبَا هُرَيْرَة السَّائِلُ أَنْ يَقْسِمَ لَهُ وَأَنَّ أَبَانَ هُوَ الَّذِي أَشَارَ بِمَنْعِهِ وَفِي رِوَايَةِ الزُّبَيْدِيِّ أَنَّ أَبَانَ هُوَ الَّذِي سَأَلَ وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ هُوَ الَّذِي أَشَارَ بِمَنْعِهِ وَقَدْ رَجَّحَ الذُّهْلِيُّ رِوَايَةَ الزُّبَيْدِيِّ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ وُقُوعُ التَّصْرِيحِ فِي رِوَايَتِهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَانُ اجْلِسْ وَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ أَبَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَشَارَ أَنْ لَا يُقْسَمَ للْآخر وَبدل عَلَيْهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ احْتَجَّ عَلَى أَبَانَ بِأَنَّهُ

الصفحة 492