كتاب تحفة الأحوذي (اسم الجزء: 7)

وَالرِّيَاءُ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ انْتَهَى
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ الرِّيَاءُ مُشْتَقٌّ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَالسُّمْعَةُ مِنَ السَّمَاعِ وَإِنَّمَا الرِّيَاءُ أَصْلُهُ طَلَبُ الْمَنْزِلَةِ فِي قُلُوبِ النَّاسِ بإرائهم الخصال المحمودة
فحد الرياء هو إراؤة الْعِبَادَةِ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْمُرَائِي هُوَ الْعَابِدُ وَالْمُرَاءَى لَهُ هُوَ النَّاسُ وَالْمُرَاءَى بِهِ هُوَ الخصال الحميدة
والرياء هوقصد إِظْهَارِ ذَلِكَ
(مَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ) [2381] بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي الْفِعْلَيْنِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ وَالْمَعْنَى مَنْ يَعْمَلُ عَمَلًا لِيَرَاهُ النَّاسُ فِي الدُّنْيَا يُجَازِيهِ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِأَنْ يُظْهِرَ رِيَاءَهُ عَلَى الْخَلْقِ (وَمَنْ يُسَمِّعْ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لِلسُّمْعَةِ بِأَنْ نَوَّهَ بِعَمَلِهِ وَشَهَرَهُ لِيَسْمَعَ النَّاسُ بِهِ وَيَمْتَدِحُوهُ (يُسَمِّعِ اللَّهُ بِهِ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْضًا أَيْ شَهَرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَهْلِ الْعَرَصَاتِ وَفَضَحَهُ على رؤوس الْأَشْهَادِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا عَلَى غَيْرِ إِخْلَاصٍ وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ وَيَسْمَعُوهُ جُوزِيَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يُشْهِرَهُ اللَّهُ وَيَفْضَحَهُ وَيُظْهِرَ مَا كَانَ يُبْطِنُهُ
وَقِيلَ مَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ الْجَاهَ وَالْمَنْزِلَةَ عِنْدَ النَّاسِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ يجعله حديثا عند الناس الذين أراد ونيل الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُمْ وَلَا ثَوَابَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ
وَمَعْنَى يُرَائِي بِهِ يُطْلِعُهُمْ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لَهُمْ لَا لِوَجْهِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إليهم أعمالهم فيها) إِلَى قَوْلِهِ (مَا كَانُوا يَعْلَمُونَ) وَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ أَنْ يَسْمَعَهُ النَّاسُ وَيَرَوْهُ لِيُعَظِّمُوهُ وَتَعْلُو مَنْزِلَتُهُ عِنْدَهُمْ حَصَلَ لَهُ مَا قَصَدَ وَكَانَ ذَلِكَ جَزَاؤُهُ عَلَى عَمَلِهِ وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ
وَقِيلَ الْمَعْنَى مَنْ سَمِعَ بِعُيُوبِ النَّاسِ وَأَذَاعَهَا أَظْهَرَ اللَّهُ عُيُوبَهُ وَسَمَّعَهُ الْمَكْرُوهَ
وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ إِخْفَاءِ العمل الصالح لكن قد يستحب إظهار مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ عَلَى إِرَادَتِهِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَيُقَدَّرُ ذَلِكَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ (مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ لَا يَرْحَمُهُ اللَّهُ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ رَحْمَةِ النَّاسِ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جُنْدُبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ جُنْدُبٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ سَمَّعَ النَّاسَ

الصفحة 45