كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 7)

الاحزاب 39 42
{الذين يُبَلّغُونَ رسالاتِ الله} صفةٌ للذين خَلَوا أو مدحٌ لهم بالنَّصبِ أو بالرفع وقرئ رسالةَ الله {وَيَخْشَوْنَهُ} في كلِّ ما يأتُون ويذرُون لا سيِّما في أمرِ تبليغِ الرِّسالةِ حيثُ لا يخرمُون منها حرَفاً ولا تأخذُهم في ذلكَ لومةُ لائمٍ {وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله} في وصفِهم بقصرِهم الخشيةَ على الله تعالى تعريض بما صدَرَ عنه صلى الله عليه وسلم من الاحترازِ عن لائمةِ الخلقِ بعد التَّصريحِ في قولِه تعالى وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تخشاه {وكفى بالله حَسِيباً} كافياً للمخاوفِ فينبغي أنْ لا يُخشى غيرُه أو محاسباً على الصَّغيرةِ والكبيرةِ فيجبُ أنْ يكونَ حقُّ الخشيةِ منْهُ تعالى
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ} أي على الحقيقة حتى يثبتُ بينَهُ وبينَهُ ما يثبت بين الولد وولدِه من حُرمةِ المُصاهرة وغيرِها ولا ينتقضُ عمومُه بكونه صلى الله عليه وسلم ابا الطاهر والقاسمِ وإبراهيمَ لأنهم لم يبلغوا الحُلُمَ ولو بلغُوا لكانوا رجالا له صلى الله عليه وسلم لا لَهمُ {ولكن رَّسُولَ الله} أي كانَ رسولاً لله وكلُّ رسولٍ أبُو أمَّتهِ لكنْ لا حقيقةً بل بمعنى أنَّه شفيقٌ ناصحٌ لهم وسببٌ لحياتِهم الابدية وما زيدٌ إلا واحدٌ من رجالِكم الذين لا ولادة بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم فحكمه حكمُهم وليس للتبنِّي والادِّعاءِ حكمٌ سوى التَّقريبِ والاختصاصِ {وَخَاتَمَ النبيين} أي كان آخرهم الذي خُتموا به وقُرىء بكسر التَّاءِ أي كان خاتمِهم ويؤيده قراءةُ ابنِ مسعود ولكنْ نبياً ختَم النبيِّينَ وأيّاً ما كانَ فلو كانَ له ابنٌ بالغٌ لكان نبيّاً ولم يكنُ هو صلى الله عليه وسلم خاتمَ النبيِّينَ كما يُروى أنَّه قالَ في إبراهيمَ حينَ تُوفِّي لو عاشَ لكانَ نبيّاً ولا يقدحُ فيه نزولُ عيسىَ بعدَهُ عليهما السَّلامُ لانَّ معنى كونِه خاتمَ النبيِّينَ أنَّه لا ينبأ احد بعده وعيسى ممَّن نُبِّىء قبلَه وحينَ ينزلُ إنَّما ينزلُ عملا على شريعةِ محمدٍ صلَّى الله عليه وسلم مُصلِّياً إلى قبلتِه كأنَّه بعضُ أمَّتهِ {وَكَانَ الله بِكُلّ شَىْء عَلِيماً} ومن جُملتهِ هذهِ الأحكامُ والحِكمُ التي بيَّنها لكُم وكنتمُ منها في شكَ مريبٍ
{يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ اذكروا الله} بما هُو أهلُه من التَّهليلِ والتحميد والتَّمجيدِ والتقديس {ذِكْراً كَثِيراً} يعمُّ الأوقاتِ والأحوالَ
{وَسَبّحُوهُ} ونزِّهوه عمَّا لا يليقُ به {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} أي أوَّلَ النَّهارِ وآخرَه على أنَّ تخصيصَهُما بالذِّكرِ ليسَ لقصرِ التَّسبيحِ عليهما دُونَ سائرِ الأوقاتِ بل لإبانةِ فضلِهما على سائرِ الأوقاتِ لكونِهما مشهُودينِ كأفرادِ التَّسبيحِ من بينِ الأذكارِ مع اندراجهِ فيها لكونِه العُمدةَ فيها وقيل كِلا الفعلينِ متوجهٌ إليهما كقولِك صُمْ وصَلِّ يومَ الجمعةِ وقيلَ المرادُ بالتَّسبيحِ الصَّلاةُ

الصفحة 106