كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 7)

القصص 33 37 للمرأةِ البيضاءِ برهاءُ وبَرَهْرَهةٌ ونظيرُه تسميةِ الحجَّةِ سُلطاناً من السَّليطِ وهو الزَّيتُ لإنارتِها وقيل هو فُعلال لقولِهم برهنَ ومِنْ في قولِه تعالَى {مِن رَبّكَ} متعلقةٌ بمحذوف هو صفةٌ لبرهانانِ أي كائنانِ منْهُ تعالى {إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} واصلانِ ومنتهيانِ إليهم {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين} خارجينَ عن حُدود الظُّلمِ والعُدوان فكانُوا أحِقَّاءَ بأنْ نُرسلَك إليهم بهاتينِ المُعجزتينِ الباهرتينِ
{قَالَ رَبّ إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يقتلون} بمقابلتها
{وأخي هارون هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَاناً فَأَرْسِلْهِ مَعِىَ رِدْءاً} أي مُعيناً وهو في الأصلِ اسمُ ما يُعان به كالدفء وقرئ ردأ بالتخفيف {يصدقني} بتخليص الحقِّ وتقريرِ الحجَّةِ بتوضيحِها وتزييفِ الشُّبهةِ {إِنّى أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ} ولسانِي لا يُطاوعني عند المُحاجةِ وقيل المرادُ تصديقُ القومِ لتقريرِه وتوضيحِه لكنَّه أسندَ إليه إسناد الفعلِ إلى السببِ وقرئ يصدقْني بالجزمِ على أنَّه جوابُ الأمرِ
{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} أي سنقويكَ به فإنَّ قوَّةَ الشَّخصِ بشدة اليدِ على مُزاولةِ الأمورِ ولذلكَ يعبّرُ عنه باليدِ وشدَّتِها بشدَّة العضدِ {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سلطانا} أي تسلطاً وغلبةً وقيل حجَّةً وليس بذاكَ {فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} باستيلاءٍ أو محاجة {بآياتنا} متعلقٌ بمحذوفٍ قد صُرِّح به في مواضعَ أُخَر أي اذهَبا بآياتِنا أو بنجعل أي نسلطكما بآياتِنا أو بمعنى لا يصَلون أي تمتنعونَ منهم بها وقيل هو قسمٌ وجوابُه لا يصلونَ وقيلَ هو بيانٌ للغالبونَ في قولِه تعالى {أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون} بمعنى أنَّه صلة لما يبينه أوصلة له على أنَّ اللامَ للتعريفِ لا بمعنى الذي
{فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات} أي واضحات الدلالة على صحَّةِ رسالةِ مُوسى عليه السَّلام منه تعالى والمرادُ بها العَصَا واليدُ إذ هُما اللتانِ أظهرَهُما مُوسى عليه السَّلام إذْ ذاكَ والتَّعبيرُ عنْهمَا بصيغةِ الجمعِ قد مرَّ سرُّه في سورةِ طه {قَالُواْ مَا هَذا إِلاَّ سحرٌ مُّفْتَرًى} أي سحرٌ مختلقٌ لم يُفعل قبلَ هذا مثلُه أو سحرٌ تعمله ثم تفتريهِ على الله تعالى أو سحرٌ موصوفٌ بالافتراءِ كسائرِ أصنافِ السِّحِر {وَمَا سَمِعْنَا بهذا} أي السِّحرِ أو ادعاءِ النُّبوةِ {في آبائنا الأولين} أي واقعاً في أيَّامِهم
{وَقَالَ موسى رَبّى أَعْلَمُ بِمَن جَاء بالهدى مِنْ عِندِهِ}

الصفحة 13