كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 7)

يعلم قولَ كلَ من المُهتدي والضَّالِّ وفعلَه وإنْ بالغَ في إخفائِهما
{وَلَوْ ترى إِذْ فَزِعُواْ} عند الموتِ أو البعثِ أو يومِ بدرٍ وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ ثمانين ألفاً يغزُون الكعبةَ ليخرِّبوها فإذا دخلُوا البيداءَ خُسف بهم وجوابُ لو محذوفٌ أي لرأيتَ أمراً هائلاً {فَلاَ فَوْتَ} فلا يفوتُون الله عزَّ وجل يهرب أو تحصُّنٍ {وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} من ظهرِ الأرضِ أو من الموقفِ إلى النَّارِ أو من صحراء بدرٍ إلى قَليبها أو من تحت أقدامهم إذا خُسف بهم والجملةُ معطوفة على فَزِعوا وقيل على لافوت على معنى إذْ فَزعُوا فلم يفوتُوا وأُخذوا ويؤيده أنه قرئ وأُخذ بالعطف على محلِّه أي فلا فوت هنا وهناك أخذ
{وقالوا آمنا به} أي بمحمد صلى الله عليه وسلم وقد مرَّ ذكرُه في قوله تعالى ما بصاحِبكم {وأنى لَهُمُ التناوش} التَّناوشُ التَّناولُ السَّهلُ أي ومِن أينَ لهم أنْ يتناولُوا الإيمانَ تناولاً سهلاً {مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ} فإنَّه في حيِّزِ التكليف وهُم منه بمعزلٍ بعيدٍ وهو تمثيلُ حالِهم في الاستخلاصِ بالإيمانِ بعد ما فاتَ عنهم وبعُد بحالِ مَنْ يُريدُ أن يتناول الشئ من غَلْوةٍ تناوله من ذراع في الاستحالة وقرئ بالهمزة على قلبِ الواوِ لضمِّها وهو من نأشت الشئ إذا طلبتُه وعن أبي عمرو التَّناؤشُ بالهمزِ التَّناولُ من بُعدٍ من قولِهم نأشتُ إذا أبطأتَ وتأخَّرتَ ومنه قولُ مَن قالَ تمنَّى نَئيشا أنْ يكون أطاعنِي وقد حدثتْ بعدَ الامور أمورُ
{وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ} أي بمحمد صلى الله عليه وسلم أو بالعذابِ الشَّديدِ الذي أنذرهم إياه {مِن قَبْلُ} أي من قبلِ ذلك في أوانِ التَّكليفِ {وَيَقْذِفُونَ بالغيب} ويَرجمون بالظَّنِّ ويتكلَّمون بما لم يظهر لهم في حق الرسول صلى الله عليه وسلم من المطاعنِ أو في العذاب المذكورِ من بت القول بنفيه {مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ} من جهةٍ بعيدةٍ من حاله صلى الله عليه وسلم حيث ينسبونه صلى الله عليه وسلم إلى الشِّعرِ والسِّحرِ والكذب وإن ابعد شئ ممَّا جاءَ به الشِّعرُ والسحر وأبعد شئ من عادته المعروفة فيما بين الدَّاني والقاصِي الكذبُ ولعله تمثيلٌ لحالِهم في ذلك بحالِ مَن يرمي شيئاً لا يراهُ من مكانٍ بعيدٍ لا مجالَ للوهم في لحوقه وقرئ ويُقذفون على أنَّ الشَّيطانَ يلقي إليهم ويلقِّنهم ذلك وهو معطوفٌ على قد كفروا به على حكايةِ الحالِ الماضيةِ أو على قالُوا فيكون تمثيلاً لحالِهم بحال القاذفِ في تحصيل ما ضيِّعُوه من الإيمان في الدُّنيا
{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يشتهون} من نفعِ الإيمانِ والنَّجاة من النار وقرئ بإشمامِ الضَّمِّ للحاء {كَمَا فُعِلَ بأشياعهم مّن قَبْلُ} أي بأشباهِهم من كفرةِ الأُمم الدَّارجة {إِنَّهُمْ كَانُواْ فِى شَكّ مُرِيبٍ} أي مُوقعٌ في الرِّيبةِ أو ذي ريبة والأوَّلُ منقولٌ ممَّن يصحُّ أن يكونَ مُريباً من الأعيانِ إلى المعنى والثاني من صاحبِ الشَّكِّ إلى الشَّكِّ كما يُقال شعرٌ شاعرٌ والله أعلم عن رسول الله صلى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سورةَ سبأٍ لم يبقَ رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىّ إِلاَّ كان له يومَ القيامة رفيقاً ومُصافحاً

الصفحة 140