كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 7)

غافر 65 68 فإنَّ الإحسانَ عينُ التصويرِ أي صوَّركُم أحسنَ تصويرٍ حيث خلقكم منتصب القامةِ باديَ البَشَرةِ متناسبَ الاعضاء والتخططات متهيئاً لمزاولةِ الصنائعِ واكتسابِ الكمالاتِ {وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات} أي اللذائذِ {ذلكم} الذي بغت بما ذُكِرَ من النعوتِ الجليلة {الله ربكم} خبر ان لذلكُم {فَتَبَارَكَ الله} أي تعالَى بذاتِه {رَبّ العالمين} أي مالكُهم ومربيِهم والكلُّ تحتَ ملكوتِه مفتقرٌ إليه في ذاتِه ووجودِه وسائرِ أحوالِه جميعاً بحيثُ لو انقطعَ فيضُه عَنه آناً لانعدمَ بالكليةِ
{هُوَ الحى} المتفردُ بالحياةِ الذاتية الحقيقية {لا إله إلا هو} إذْ لاَ موجودَ يدانيهِ في ذاتِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ {فادعوه} فاعبدُوه خاصَّةً لاختصاصِ ما يُوجبه به تعالَى {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} أي الطاعةَ من الشركِ الجليِّ والخفيِّ {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} أيْ قائلينَ ذلكَ عن ابن عباس رضي الله عنُهمَا مَنْ قالَ لاَ إله إلا الله فليقُلْ علَى أثرِها الحُمد للَّهِ رَبّ العالمينَ
{قُلْ إِنّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَمَّا جَاءنِى البينات مِن رَّبّى} من الحججِ والآياتِ أو من الآياتِ لكونِها مؤيدةً لأدلةِ العقلِ منبهةً عليها فإنَّ الآياتِ التنزيليةَ مفسراتٌ للآياتِ التكوينيةِ الآفاقيةِ والأنفُسية {وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبّ العالمين} أيْ بأنْ أنقادَ لهُ وأخلصَ له دِيني
{هُوَ الذى خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ} أيْ في ضمنِ خلقِ آدمَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ منه حسبَما مرَّ تحقيقُه مراراً {ثُمَّ مِن نطفة} أي ثم خلقكم خلقا تفصيليا من نطفة أي منيَ {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} أي أطفالاً والإفراد لإرادة الجنسِ أو لإرادةِ كلِّ واحدٍ من أفرادِه {ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ} علةٌ ليخرجَكم معطوفةٌ على علةٍ أخرى له مناسبة لها كأنه قيلَ ثم يُخرجَكُم طِفْلاً لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا كمالكم في القوة والعقلِ وكَذا الكلامُ في قولِه تعالى {ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً} ويجوزُ عطفُه عَلى لتبلغُوا وقُرِىءَ شيخاً كقولِه تعالَى طِفْلاً {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ} أي من قبلِ الشيخوخةِ بعد بلوغ الأشد أو قبله أيضاً {وَلِتَبْلُغُواْ} متعلقٌ بفعلٍ مقدرٍ بعدَهُ أي ولتبلغُوا {أَجَلاً مُّسَمًّى} هُو وقتُ الموتِ أو يومَ القيامةِ بفعل ذلكَ {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ولكي تعقلُوا ما في ذلكَ من فنونِ الحِكَمِ والعِبر
{هو الذي يحيي} الأمواتَ {وَيُمِيتُ} الأحياءَ أو الذي يفعل الاحياء والامانة {فَإِذَا قضى أَمْرًا} أي أرادَ أمراً من الأمورِ {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} من غيرِ توقفٍ على شيءٍ من الأشياءِ أصلاً وهذا تمثيلٌ لتأثيرِ قدرته في المقدوراتِ عند تعلقِ إرادتِه بها وتصويرٌ لسرعةِ

الصفحة 283