كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 7)

الروم 33 37 اختلافِ أهوائِهم وفائدةُ الإبدالِ التَّحذيرُ عن الانتماءِ إلى حزبٍ من أحزابِ المشركينَ ببيان أنَّ الكلَّ على الضَّلالِ المبينِ وقُرىء فارقُوا أي تركُوا دينَهم الذي أُمروا به {وَكَانُواْ شِيَعاً} أي فِرقاً تشايعُ كلٌّ منها إمامَها الذي أضلَّها {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ} من الدينِ المعوجِ المؤسَّس على الرَّأيِ الزَّائغِ والزَّعمِ الباطلِ {فَرِحُونَ} مسرورون ظنَّاً منهم أنَّه حقٌّ وأَنَّى له ذلك فالجملةُ اعتراضٌ مقرِّرٌ لمضمونِ ما قبله من تفريقِ دينِهم وكونِهم شيعاً وقد جُوِّز أنْ يكونَ فرحون صفةً لكلُّ على أنَّ الخبرَ هو الظرفُ المقدَّمُ أعني من الذين فرَّقُوا ولا يخفى بعدُه
{وَإِذَا مَسَّ الناس ضُرٌّ} أي شدَّةٌ {دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ} راجعينَ إليه من دعاءِ غيرِه {ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مّنْهُ رَحْمَةً} خلاصاً من تلك الشدَّة {إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ بِرَبّهِمْ} الذي كانُوا دَعَوه منيبين إليه {يُشْرِكُونَ} أي فاجأ فريقٌ منهم الإشراكَ وتخصيصُ هذا الفعلِ ببعضِهم لما أنَّ بعضَهم ليسُوا كذلك كما في قوله تعالى فَلَمَّا نجاهم إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ أي مقيمٌ على الطَّريقِ القصدِ أو متوسط في الكفر لانزجاره في الجُملة
{ليكفروا بما آتيناهم} اللامُ فيه للعاقبةِ وقيل للأمرِ التَّهديديِّ كقولِه تعالى {فَتَمَتَّعُواْ} غيرَ أنَّه التفتَ فيه للمبالغةِ وقرىء وليتمتَّعوا {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} عاقبةَ تمتُّعِكم وقُرىء بالياءِ على أنَّ تمتَّعوا ماضٍ والالتفاتُ إلى الغيبة في قوله تعالى
{أم أنزلنا عليهم} للإبذان بالإعراضِ عنهم وتعديدِ جناياتِهم لغيرِهم بطريقِ المُباثّةِ {سلطانا} أي حجَّةً واضحةً وقيل ذا سلطانٍ أي مَلَكاً معه برهانٌ {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} تكلُّمَ دلالةٍ كما في قولِه تعالى هذا كتابنا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق أو تكلُّمَ نطقٍ {بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ} بإشراكهم به تعالى أو بالأمر الذي بسببه يُشركون
{وَإِذَا أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً} أي نعمة من صَّحةٍ وسَعَةٍ {فَرِحُواْ بِهَا} بَطَراً وأشَراً لا حَمْداً وشُكْراً {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ} شدَّةٌ {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} بشؤمِ معاصِيهم {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} فاجئوا القُنوطَ من رحمتهِ تعالى وقرىء بكسر النون
{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} أي ألم ينظرُوا ولم يشاهدُوا {أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ} فما لهم لم يشكرُوا ولم يحتسبُوا في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ كالمؤمنينَ {إِنَّ فِى ذلك لآيات لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} فيستدلُّون

الصفحة 61