كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 7)

تصلح الثِّمَار ببلدهم فَذَهَبُوا إِلَى الْحجاز بِقصد أَن يَأْتُوا بِرَجُل من أهل الْبَيْت تبركا بِهِ فَأتوا بالمولى حسن الْمَذْكُور فحقق الله رجاءهم وَأصْلح ثمارهم حَتَّى عَادَتْ بِلَادهمْ هِيَ هجر الْمغرب وَقَالَ غَيره إِن سَبَب إتيانهم بِهِ أَن الْأَشْرَاف من آل إِدْرِيس رَضِي الله عَنهُ كَانُوا قد تفَرقُوا بِبِلَاد الْمغرب وانتشر نظامهم وَاسْتولى عَلَيْهِم الْقَتْل وَالصغَار من أُمَرَاء مكناسة وَغَيرهم فَقل الشّرف بالمغرب وَأنْكرهُ كثير من أَهله حَقنا لدمائهم فَلَمَّا طلع نجم الدولة المرينية بالمغرب أكبروا الْأَشْرَاف وَرفعُوا أقدارهم واحترموهم وَلم يكن بِبَلَد سجلماسة أحد من آل الْبَيْت الْكَرِيم فأجمع رَأْي كبرائهم وأعيانهم أَن يَأْتُوا بِمن يتبركون بِهِ من أهل ذَلِك النّسَب الشريف فَقيل إِن الذَّهَب يطْلب من معدنه والياقوت يجلب من موطنه إِن بِلَاد الْحجاز هِيَ مقرّ الْأَشْرَاف وَلذَلِك الْجَوْهَر النفيس من أجل الأصداف فَذَهَبُوا إِلَى الْحجاز وجاؤوا بالمولى حسن على مَا ذكرنَا فأشرقت شمس الْبَيْت النَّبَوِيّ على سجلماسة وأضاءت أرجاؤها وظللتها من الشَّجَرَة الطّيبَة ظلالها وأفياؤها حَتَّى قيل إِن مَقْبرَة أهل سجلماسة هِيَ بَقِيع الْمغرب وكفاها هَذَا شرفا وفخرا ومزية وذخرا وَذكر بَعضهم أَن أهل سجلماسة لما طلبُوا من الْمولى قَاسم بن مُحَمَّد أَن يبْعَث مَعَهم أحد أَوْلَاده وَكَانَ يَوْمئِذٍ أكبر شرفاء الْحجاز ديانَة ووجاهة اختبر من أَوْلَاده من يصلح لذَلِك وَكَانَ لَهُ على مَا قيل ثَمَانِيَة من الْوَلَد فَكَانَ يسْأَل الْوَاحِد مِنْهُم بعد الْوَاحِد وَيَقُول لَهُ من فعل مَعَك الْخَيْر فَمَا تفعل مَعَه أَنْت فَيَقُول الْخَيْر وَمن فعل مَعَك الشَّرّ فَيَقُول الشَّرّ فَيَقُول اجْلِسْ إِلَى أَن انْتهى إِلَى الْمولى حسن الدَّاخِل فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لإخوته فَقَالَ من فعل معي الشَّرّ أفعل مَعَه الْخَيْر قَالَ فَيَعُود ذَلِك بِالشَّرِّ قَالَ فأعود لَهُ بِالْخَيرِ إِلَى أَن يغلب خيري على شَره فَاسْتَنَارَ وَجه الْمولى قَاسم وداخلته أريحية هاشمية ودعا لَهُ بِالْبركَةِ فِيهِ وَفِي عقبه فَأجَاب الله دَعوته
وَكَانَ الْمولى حسن الدَّاخِل رجلا صَالحا ناسكا لَهُ مُشَاركَة فِي الْعُلُوم خُصُوصا علم الْبَيَان فَإِنَّهُ كَانَت لَهُ فِيهِ الْيَد الطُّولى وَلما اسْتَقر بسجلماسة
عَدْلَيْنِ فالمجموع خمس وَعِشْرُونَ بغلة تسير أَمَامه فَإِذا نزل الْجَيْش رفعت إِلَى الْقبَّة السُّلْطَانِيَّة كَالَّذي قبلهَا
وَكَانَ السُّلْطَان الْمولى عبد الله رَحمَه الله يرى ذَلِك من الحزم حَيْثُ يحمل مَاله مَعَه أَيْنَمَا سَار لَا يُفَارِقهُ وَمِمَّا وجده سَيِّدي مُحَمَّد من مَال وَالِده أَيْضا ثَلَاثمِائَة ألف ريال إِلَّا خَمْسَة عشر ألفا وَوجد نَحْو الْعشْرين ألفا من الموزونات الدقيقة من ضرب سكته هَذَا مَا خَلفه رَحمَه الله من المَال الصَّامِت وَكَانَ يكون على يَد الْقَائِد علال بن مَسْعُود من وصفانه فحاز ذَلِك كُله أَمِير الْمُؤمنِينَ سَيِّدي مُحَمَّد وَنَقله إِلَى محلته ووكل بِهِ وزعته وَتقدم إِلَى أَصْحَابه بِأَن يعاملوا أَصْحَاب أَبِيه بالتوقير والاحترام ونظمهم فِي سلك خدمته فَمن ظَهرت نجابته أدناه وَمن لَا عِبْرَة بِهِ أقصاه
ثمَّ وَفد عَلَيْهِ بفاس عَامَّة قبائل الغرب وازدلفوا اليه بالهدايا والتحف فَأكْرم كلا بِمَا يُنَاسِبه وَكَانَ فِي ابْتِدَاء أمره سهل الْحجاب رَفِيقًا لم يعْزل أحدا من قواد الْقَبَائِل وعمال الحواضر الَّذين كَانُوا فِي دولة أَبِيه فِي حكم الاستبداد بل أبقى مَا كَانَ وَلم ينكب أحدا إِلَّا بعد الِاسْتِبْرَاء والاختبار غير أَن أهل تطاوين كَانَ قائدهم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عمر الوقاش منحرفا عَنهُ أَيَّام خِلَافَته بمراكش فَكَانَ إِذا كتب اليه بِأَمْر نبذه وَرَاء ظَهره وَرُبمَا قَالَ للرسول الْمَرْأَة لَا تتَزَوَّج برجلَيْن أَو كلَاما يشبه هَذَا يَعْنِي أَنه مجبور لطاعة السُّلْطَان الْمولى عبد الله
فَلَمَّا بُويِعَ السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد وَقدم حَضْرَة فاس انقبض عَنهُ الوقاش الْمَذْكُور وعاذ بضريح الشَّيْخ عبد السَّلَام بن مشيش بِمَالِه وَولده خوفًا على نَفسه من السُّلْطَان لسوء مَا قدم ثمَّ قدم عَلَيْهِ أهل تطاوين طائعين متنصلين من فعل عاملهم الْمَذْكُور ومخبرين بِشَأْنِهِ فولى السُّلْطَان عَلَيْهِم الْفَقِيه أَبَا مُحَمَّد عبد الْكَرِيم بن زاكور أحد كِتَابه كَانَ بَعثه من مراكش إِلَى العرائش واليا عَلَيْهَا فَلَمَّا وَفد عَلَيْهِ أهل تطاوين ولاه عَلَيْهِم لكَونه حضريا مثلهم وَأقَام السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد رَحمَه الله بفاس شَهْرَيْن وَعَاد إِلَى مكناسة وَالله أعلم

الصفحة 6