كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 7)

نقُول إِن على السُّلْطَان حقوقا كَثِيرَة لَا تفي بهَا البطاقة ولنقتصر مِنْهَا على ثَلَاثَة هِيَ أمهاتها الأول جمع المَال من حق وتفريقه فِي حق الثَّانِي إِقَامَة الْجِهَاد لإعلاء كلمة الله وَفِي مَعْنَاهُ تعمير الثغور بِمَا تحْتَاج إِلَيْهِ من عدد وعدة الثَّالِث الانتصاف من الظَّالِم للمظلوم وَفِي مَعْنَاهُ كف الْيَد العادية عَلَيْهِم مِنْهُم وَمن غَيرهم وَهَذِه الثَّلَاثَة كلهَا قد اختلت فِي دولة سيدنَا فَوَجَبَ علينا تنبيهه لِئَلَّا يعْتَذر بِعَدَمِ الِاطِّلَاع والغفلة فَإِن تنبه وَفعل فقد فَازَ وَذَلِكَ صَلَاح الْوَقْت وَصَلَاح أَهله وسبوغ النِّعْمَة وشمول الرَّحْمَة وَإِلَّا فقد أدينا الَّذِي علينا أما الْأَمر الأول فَليعلم سيدنَا أَن المَال الَّذِي يجبى من الرّعية قد أعد للْمصَالح الَّتِي يَنْتَظِم بهَا الدّين وَتصْلح الدُّنْيَا من أهل الْبَيْت وَالْعُلَمَاء والقضاة وَالْأَئِمَّة والمجاهدين والأجناد والمساجد والقناطر وَغير ذَلِك من الْمصَالح وَمِثَال هَؤُلَاءِ كأيتام لَهُم دُيُون قد عجزوا عَن قبضهَا إِلَّا بوكيل وَمِثَال الرّعية مثل الْمديَان وَالسُّلْطَان هُوَ الْوَكِيل فَإِن استوفى الْوَكِيل الدّين بِلَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَأَدَّاهُ إِلَى الْيَتَامَى يحْسب مَا يجب لكل فقد برىء من اللوم وَلم تبْق عَلَيْهِ تباعة للمديان وَلَا للْيَتِيم وَحصل لَهُ أَجْرَانِ أجر الْقَبْض وَأجر الدّفع وَإِن هُوَ زَاد على الدّين الْوَاجِب بِغَيْر رضى الْمديَان فَهُوَ ظَالِم لَهُ أَو نقص الْيَتِيم من حَقه الْوَاجِب لَهُ فَهُوَ ظَالِم لَهُ وَكَذَا إِن استوفى الدُّيُون وأمسكها وَلم يَدْفَعهَا لأربابها فَهُوَ ظَالِم فَلْينْظر سيدنَا فَإِن جباة مَمْلَكَته قد جروا ذيول الظُّلم على الرّعية فَأَكَلُوا اللَّحْم وَشَرِبُوا الدَّم وامتشوا الْعظم وامتصوا المخ وَلم يتْركُوا للنَّاس دينا وَلَا دنيا أما الدُّنْيَا فقد أخذوها وَأما الدّين فقد فتنوهم عَنهُ وَهَذَا شَيْء شهدناه لاشيء ظنناه ثمَّ إِن أَرْبَاب الْحُقُوق قد ضَاعُوا وَلم تصل إِلَيْهِم حُقُوقهم فعلى السُّلْطَان أَن يتفقد الجباة ويكف أَيْديهم عَن الظُّلم وَلَا يغتر بِكُل من يزين لَهُ الْوَقْت فَإِن كثيرا من الدائرين بِهِ طلاب الدُّنْيَا لَا يَتَّقُونَ الله تَعَالَى وَلَا يتحفظون من المداهنة والنفاق وَالْكذب وَفِي أفضل مِنْهُم قَالَ جده أَمِير الْمُؤمنِينَ مَوْلَانَا عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه الْمَغْرُور من غررتموه اه وَأَن يتفقد الْمصَالح ويبسط يَد الْفضل على خَواص النَّاس من أهل الْفضل وَالدّين وَالْخَيْر ليكتسب محبتهم وثناءهم ونصرهم كَمَا قيل

الصفحة 83