كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

المقامُ الأول: المنع من ظهور معناها فيما زَعَمُوا، وذلك أن المنع يترتب على ظهور الاشتراك الذي يمنع تحقيقه من الظهور، وبيان الاشتراك الذي فيها ما في لفظة " ما " من الاحتمال المعلوم عند أهل علم البيان (¬1) ونُقَّاد هذا الشأن، فإنها مُحتَمِلَةٌ لمعنيين:
الأول: أن تكون موصولةً بمعنى: الذي، مثل قوله تعالى: {أتَعْبُدونَ ما تَنْحِتونُ} [الصافات: 95].
الثاني: أنها مصدريةٌ بمعنى: وعملكم. وعلى تقدير أنها موصولةٌ تكون أيضاً محتملةً لمعنيين:
أحدهما: أن المراد بالذي تعملونه الأصنام، أي تعملون أشكالها ومقاديرها، كما يقال: صنع النجار الباب، وهذا السيف صنعه فلانٌ، وتسميتُها معمولة حقيقة وعملاً مجازاً، أو حقيقة (¬2) عُرفِيَّة شائعة.
ومنه حديث رفاعة بن رافع البدري رضي الله عنه، وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهم حين دعاهم إلى الإسلام: " من خلق السماوات والجبال؟ " قلنا: الله، قال: " فمن عمل هذه الأصنام التي تعبدون؟ " قلنا: نحن، قال: " فالخالق أحق بالعبادة أم المخلوق وأنتم عملتموها؟ والله أحق أن تعبدوه من شيءٍ عملتموه ".
رواه الحاكم في أول كتاب البر من " المستدرك " (¬3) وصحَّحَه، كما يأتي بإسناده وتمام متنه، وهو ظاهر كلام المفسرين.
قال البغوي (¬4): وما تعملون بأيديكم من الأصنام. هذا وهو من أهل السنة، وممن ظن مع هذا أن الآية تدل على خلق الأعمال.
¬__________
(¬1) في (أ) و (ف): اللسان.
(¬2) في (أ): وحقيقة.
(¬3) 4/ 149، وسيأتي عند المؤلف ص 115، فانظر الكلام عليه هناك.
(¬4) تمام نصه في " تفسير البغوي " 4/ 31: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} بأيديكم من الأصنام، وفيه دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى.

الصفحة 109