كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

ومن ذلك قوله تعالى: {فَإنْ قَاتَلُوكُمْ فاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] أمر بالقتل، وهو غير مقدورٍ للعبد بغير إعانةٍ من الله، وإنما يَقْدِرُ على الجرح دون إخراج الروح من البدن، وأمثال ذلك كثيرٌ جداً.
وعن ابن عباس في قوله تعالى: {الآن خَفَّفَ الله عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] لما خفَّف الله تعالى عنهم من العدد نقص من الصبر. رواه البخاري (¬1).
وفيه أنهم لو صبروا على ما أُمِرُوا به من قتال الواحد عَشَرة لطوِّقُوا ذلك، وصبروا عليه.
وهو من أحسن الأمثلة الواقعة لمذهب هذه الطائفة، فإن الواحد من المسلمين -ولو من أقواهم- لا يقدر على عشرةٍ من المشركين -ولو من أضعفهم- إلاَّ بإعانة الله تعالى مع ورود الأمر بذلك إجماعاًً ونصّاً.
بل الواحد لا يقدر على الاثنين إلاَّ بإعانة الله كما قال: {وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [الأنفال: 66]، لا يقال: ليس المراد الأمر بمغالبتهم (¬2).
قلنا: إن أردتم في (¬3) المطابقة فمُسَلَّمٌ، وإن أردتم في (3) الالتزام، فممنوعٌ، وإلا كان يستلزم الأمر بإلقاء النفس إلى التهلكة، لأن إلقاء النفس من الشواهق لا يزيد على بروز رجل ضعيفٍ لعشرةٍ من أقوياء أعدائه، وتجويز السلامة في الموضعين حاصلٌ، والله سبحانه أعلم.
¬__________
(¬1) في " صحيحه " (4653)، وتكملة الحديث بعد قوله " من الصبر ": بقدر ما خُفِّف عنهم. وأخرجه أبو داود (2646)، والطبري في " جامع البيان " (16280)، والنحاس في " ناسخه " ص 189، والبيهقي 9/ 76.
(¬2) في (ش): بمغالبتكم، وهو خطأ.
(¬3) لفظة: (في) لم ترد في (ش) في الموضعين.

الصفحة 15