كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

تقدم في إنزال (¬1) الضر لدفع المعاصي لطفاً أو للعقوبة عليها.
وربما جاء القرآن الكريم بلفظ إرادة السوء ولا يجيء بغيرها، لأنه يُشْتَقُّ لله منها اسم المريد كقوله تعالى: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} [الرعد: 11]، وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [الأحزاب: 17] ولم يقل: وإذا أساء إلى قوم، ولا أساء إليكم لوجهين:
أحدهما: أنه لو قال ذلك، لسُمِّي مُسِيئاً، وذلك لا يجوز قطعاً، إنما يسمى عادلاً حكيماً في جميع عقوباته.
وثانيهما: أن إرادة الله تعالى لم تُعلق إلاَّ بالسوء -بضم السين- الذي معناه هو المكروه في الطبيعة، وهذا يسمى محسناً كيف مريد؟
ولا أعلم شيئاً من الأول صريحاً إلاَّ ما يحتمل التأويل من قوله تعالى: {إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} [الزمر: 38] وهذا يشبه قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] مع أن الجزاء حَسَنٌ لا سَيِّىءٌ، لكن سمَّاه باسم السيئة الأولى على جهة المطابقة، وهي أحد أنواع البديع.
وهذا لما سمَّاه ضُرّاً في أول الآية حيث وقع مراداً أضافه إلى نفسه بذلك الاسم المتقدم، مع القطع بأنه بالنَّظَرِ إلى حكمته عدلٌ وحكمة، وأن ما كان عدلاً وحكمةً لا يستحق أن يسمى ضراً حقيقة كما لا يُسَمَّى فِعلُ الطبيب بالمريض ضُرّاً.
وكذلك قوله تعالى في سورة الأنعام: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 17 - 18] فيه صرفٌ لاسم الضُّرِّ عن الله حيث قال: {يَمْسَسْكَ بِضُرِّ}، وفي آخر يونس مثلها ولم يقل: يَضُرُّكَ.
¬__________
(¬1) في (أ): وإنزال، وهو خطأ.

الصفحة 197