كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)
ذلك آياتٌ كثيرة ذُكِرَتْ في غير هذا الموضع في ترجيح عقوبة الكافرين على العفو عنهم، ولا مُوجِبَ لقَصْرِ قوله: {جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} على أقرب مذكورٍ، بل الظاهر أنه تعليل لجميع ما قبله من هلاك قومه ونَجاتِهِ، كقوله تعالى: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} [التوبة: 14 - 15].
فثبت أن مراده بمضرَّة الظالم منفعة المظلوم، وهو يسمى بذلك نافعاً ومُحسِناً وعادلاً، ولذلك قلتُ في ممادحه تعالى:
تبارك من أدنى مَمَادِحِهِ العَدْلُ ... ومُوجِبُهُ منه المحامِدُ والفَضْلُ
فقد عاد منه العَدْلُ فضلاً وكَمْ به ... لأضْدَادِ سُبلِ الحمدِ قد جُمِعَ الشَّمْلُ
والمعنى في البيت الثاني أنه لم يَعْدِلْ من الفضل إلى العدل إلاَّ لحكمةٍ راجحةٍ هي تأويل المتشابه الذي لو عُلِمَ، لظهر أن ذلك العدل مُشتَمِلٌ على ما يُصيِّرُهُ فضلاً راجحاً في الغاية الحميدة التي يجب الإيمان بها في جميع أفعاله، فإنه سبحانه لا يجوز عليه على الصحيح فعل المباح المتساوي الطرفين لأنه هو اللعب والعيب، وهو مُنَزَّهٌ عنهما.
واعلم أنهم إنما نصُّوا على أنه لا يجوز إفراده عن النافع، لأنه وحده ليس باسمٍ حَسَنٍ (¬1) مُشتَمِلٍ بنفسه على الحمد والثناء، ولو كان كذلك، لأُفْرِدَ ولم يجب أو يُستَحَبَّ ضَمُّه إلى النافع، وقد نبَّه الله تعالى على الذم للضُّرِّ الذي لا نفع عليه حيث قال: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} [الحج: 13].
فإن قيل: إن عذاب الآخرة من الله تعالى، وهو أعظم المضارِّ (¬2).
¬__________
(¬1) " حسن " لم ترد في (ش).
(¬2) في (ش): الإضرار.
الصفحة 199
330