كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

قلت: ليس عذاب الآخرة منسوباً إلى الله تعالى من كل جهةٍ، بل من جهةٍ دون جهةٍ، كالكسب عند الأشعرية سواء، فإنه منسوبٌ إلى العبد لكونه جزاء ذنوبه، ومُتَفَرِّعاً عليها ومتولِّداً عنها، فهو من العبد ظُلمٌ لنفسه وضَرٌّ لها، ومن الله عدلٌ وحكمةٌ لا ظلمٌ ولا ضَرٌّ، وذلك لقوله تعالى: {ذُوقُوا ما كُنْتُم تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 55] وفي آية: {ذُوقُوا ما كُنتُم تَكسِبُونَ} [الزمر: 24] سمَّاه كسباً لهم وعملاً، وقوله: {ونَضَعُ المَوازِينَ القِسْطَ ليوم القيامة} [الأنبياء: 47] وأمثالها، ولقوله: {ومَا ظَلَمُونا ولَكِنْ كانوا أنْفُسَهم يظلمون} [البقرة: 57]، [الأعراف: 160].
ولو كان العذاب من الله تعالى ضرّاً (¬1) محضاً من كلِّ وجهٍ لم يوصف بأنه كسبهم، وأنه ظُلمٌ من العبد لنفسه، ولا قال الله: {فَأخْرَجَهُما مِمَّا كانَا فِيهِ} [البقرة: 36]، ولا قال: {مَا أصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79]، ولا قال أيوب عليه السلام في عقوبة الله: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41].
فالعدل فيه بَيِّنٌ، حيث كان جزاءً وفاقاً وقع بعد (¬2) التمكين والتقدم بالإنذار والقطع للأعذار، وإشهاد العدول والوزن بموازين الحق، والحكمة فيه من حيث إن له تأويلاً لا يعلمه إلاَّ الله، ولولا ما فيه من الحكمة الخفية التي اختصَّ بعلمها ربنا سبحانه وتعالى ما احتاج إلى التأويل الذي لا يعلمه إلاَّ الله، وتمامُ هذا مذكورٌ في مسألة الحكمة في الشُّرور، والله الموفق.
وحيث لم يصح أن الضَّرَّ في نفسه اسمٌ حَسَنٌ (¬3)، كيف يدخل في الأسماء الحسنى، وإنما معنى الأسماء الحسنى ما يفيد أحسن المدح الحَسَنِ، والوصف الجميل الحميد اللاَّئِق بالمَلِكِ المجيد، لأن الحسنى أحسن الأسماء لا حَسَنها، ولهذا قال العلماء: لا يقال: يا ربَّ الكلاب والخنازير، وإنما يقال:
¬__________
(¬1) " ضراً " سقطت من (أ).
(¬2) " بعد " سقطت من (ش).
(¬3) تحرفت في (ش) إلى: جنس.

الصفحة 200