كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: " إن الله كتب الإحسان على كل شيءٍ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَةَ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحَة، وَلْيُحِدَّ أحدُكم شفرته وَلْيُرِحْ ذبيحته " (¬1). فهذا في أفعال عباده، فكيف أفعال الحميد المجيد؟!
ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " الحمد لله على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل النار " رواه الترمذي وابن ماجه (¬2).
وفيه تنبيهٌ على أن الله تعالى يستحق الحمد على الإطلاق في الدَّارَيْن على العقوبة والمثوبة، وما حلا أو مَرَّ، أو نفع أو ضر، لكنه - صلى الله عليه وسلم - استعاذ مما لا يطاق الصبر عليه، كما سأل العافية وأمر بسؤالها.
ومن ذلك قيل في محامده تعالى: الحمد لله الذي لا يُحْمَدُ على المكاره سواه.
ولذلك قال الله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} بعد قوله تعالى: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 43 - 44]، وبعد قوله: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن: 41].
كما قرَّره ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية في " حادي الأرواح إلى دار الأفراح " وتقدم منه ما يكفي آخر الكلام في الأقدار، ولكني أفردتُه في جزء والحمدُ لله.
وثانيهما: أن اسم الضار لا يجوز إفراده عن النافع، وحينئذ يصيران معاً كالاسم الواحد المركَّبِ من كلمتين كعبد الله، فلو نطقت بأحدهما وحده لم
¬__________
(¬1) تقدم تخريجه.
(¬2) الترمذي (3599)، وابن ماجه (3804) و (3833)، وفي سنده موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف، وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه، وليس في نسخة الترمذي التي اعتمدها المزي في " التحفة " 10/ 320 لفظة " حسن "، وهو الصواب.

الصفحة 208