كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

أن السُّمَّ يَضُرُّ بنفسه، وقوله: إن الأمور الضارة في حق الرب سبحانه كالقلم للكاتب (¬1). إلى آخر كلامه في تحقيق نسبة الضرِّ إلى الله وإن كان على الجن والإنس والشياطين.
وتلخيص ذلك فما أوجب ضمه إلى ما قرره في هذا الكتاب بنفسه، وفي مقدمة " إحياء علوم الدين " فإنه كشف الغطاء عن هذه الشبهة فقال في " المقصد الأسنى " (¬2) في شرح الرحمن الرحيم ما لفظه: سؤالٌ وجوابه، لعلك تقول: ما معنى كونه تعالى رحيماً وأرحم الراحمين، والدنيا طافحةٌ بالأمراض والمِحَنِ والبلايا، وهو قادرٌ على إزالة جميعها، وتاركٌ عباده مُمتَحَنِينَ.
فجوابه: أن الطفل المريض قد تَرقُّ له أمُّه، فتمنعه من الحِجَامَةِ، والأبُ العاقل يَحمِلُه عليها قهراً، والجاهل يظن أن الرحيم هو الأم دون الأب، والعاقل يعلم أن إيلام الأب بالحِجامة من كمال رحمته، وأن الأم عَدُوٌّ له في صورة صديق، فإن ألم الحجامة القليل إذا كان سبباً لِلَّذَّة الكثيرة لم يكن شراً، بل كان خيراً.
والرحيم يريد الخير بالمرحوم لا محالة، وليس في الوجود شرٌّ إلاَّ وفي ضِمْنِهِ خيرٌ، ولو رُفِعَ ذلك الشر لبطل ذلك الخير الذي في ضمنه، وحصل ببطلانه شر أعظم من الشر الذي يتضمن ذلك الخير.
قلت: وما أبين هذا المعنى وأوضحه في كتاب الله تعالى كما مضى قريباً، ولو لم يَرِدْ في ذلك إلاَّ قوله تعالى: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [المؤمنون: 75]، وقوله: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6 - 7]، وقوله: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 27] وقوله: {وَعَسى أنْ تَكرَهُوا شَيئاً وهُوَ خَيرٌ لَكُمْ
¬__________
(¬1) نص قوله في المطبوع من " المقصد ": وجملة ذلك بالإضافة إلى القدرة الأزلية كالقلم بالإضافة إلى الكاتب في اعتقاد العامي.
(¬2) ص 62.

الصفحة 214