كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

كتابه " حادي الأرواح " وأفْشَى هذا السرَّ كما يأتي في مسألة دوام العذاب، ولم يَرَوْهُ سراً (¬1)، بل ذكروه (¬2) عن جماعةٍ وافرةٍ من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام، واحتجوا عليه بالكتاب والسنة، وإن كان الوقف عما تجاسروا عليه أحوط في الدين وأولى بمن يحب اتباع السلف الصالحين، لكنه خير من الرمز بالأسرار في أمور الإسلام لما يؤدي إليه من سوء الظنون.
مع أنه يمكن أن الغزالي أراد ما ثبت النهي عنه من إظهار (¬3) الرحمة والرجاء لمن يخاف عليه الفساد، وقد اختلفت الآثار في هذا المعنى، واستقرَّ الأمر على جواز رواية الأخبار في ذلك، كما يجوز تلاوة الآيات المُقتضية لذلك، ومن عصى الله تعالى بسبب ذلك، فما أُتِيَ إلاَّ من سوء اختياره (¬4)، إذ قد سمع تلك البِشَارات خلقٌ كثيرٌ من السلف الصالح ومن بعدهم، فشكروا عليها، وازدادوا نشاطاً، فالعاصي (¬5) بذلك كالعاصي بسماعه أن الله غفور رحيم، والله سبحانه أعلم.
وأما قول الغزالي: إنه لا يمكن خلو الخير من الشر، فإن أرادَ في أنظار العقول، فذلك يُمكِنُه دعواه، والتشكيك فيه، والتجويز البعيد له، ولعل مراده في بعض مدارك العقول على سبيل المعارضة للشبه الفلسفية (¬6) بمثلها، وأما بالنظر إلى البراهين السمعية، فإنه معلومٌ ضرورة إمكان تحصيل كل خير بقدرة الله تعالى خالصاً من الشرور، ولكن لا يعلم أن ذلك أرجح بالنظر إلى حكمته التي هي تأويل المتشابه.
فإن نازَعَ في هذا المقام منازِعٌ رَدَدْناه إلى السؤال الأول، وكم بين نعيم
¬__________
(¬1) في (أ): شراً، وهو خطأ.
(¬2) في (أ) و (ش): ذكره، والصواب ما أثبته.
(¬3) " من إظهار " سقطت من (أ).
(¬4) في (ش): فما أتي إلاَّ من جهة نفسه، وقد.
(¬5) في (ش): والعاصي.
(¬6) في (ش): لشبه الفلسفة.

الصفحة 217