كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

الجنة بعد مقاساة مصائب الدنيا وضروراتها وهمومها، وبين لَذَّتِها لو خُلِقَ أهلها فيها قبل ذلك؟! كما أنه لا يخفى أن لذة شرب الماء العذب بعد العطش الشديد أعظم منها قبله، وقد أوضحت هذا في مرتبة الدواعي، فيراجع (¬1) منها.
وقد تواتر خَرْقُ العادات في المعجزات، ونطق القرآن بأن عيسى كان يُحيي الموتى، ويُبْرِىءُ الأكمه والأبرص، وأجابه الله في إنزال المائدة كما أجاب سليمان عليه السلام في إعطائه ذلك الملك العظيم الخارق لعادات ملوك المخلوقين أجمعين. وقال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} [المعارج: 40 - 41] في آياتٍ كثيرةٍ في هذا المعنى دالةٍ على أن لله تعالى حكمةً في خلق المذنبين، مع قدرته على تبديلهم بخيرٍ منهم، لولا ما سبق في حكمته وحق من كلماته (¬2).
وقال تعالى: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69] مع أنه تعالى لم يفعل ذلك في حقِّ أهل الأُخدود، فدل على شمول قدرته، وغموض حكمته، وقد تواتر الأمر بسؤال العافية في الدَّارَيْنِ، وأجْمَعَ المسلمون على ذلك.
وقال الغزالي أيضاً في كتاب العلم من " إحياء علوم الدين " (¬3) في أقسام العلوم الباطنة ما لفظه: القسم الثاني من الخفيات التي منع الأنبياء والصِّدِّيقون من ذِكْرِها: ما هو مفهومٌ في نفسه لا يَكِلُّ الفهم عنه، ولكن ذِكْرُه يَضُرُّ بأكثر المستمعين، ولا يَضُرُّ بالأنبياء والصدِّيقين، وسرُّ (¬4) القدر الذي منع أهلُ العلم به من إفشائه من هذا القسم (¬5)، فلا (¬6) يبعد أن يكون ذكر بعض (¬7) الحقائق مُضِرّاً
¬__________
(¬1) في (ش): فليراجع.
(¬2) في (ش): كتابه.
(¬3) 1/ 101 في كتاب قواعد العقائد في الفصل الثاني منه، لا كما أشار إليه المصنف رحمه الله أنه في كتاب العلم.
(¬4) في (أ) و (ش): وهو سر، والمثبت من " الإحياء ".
(¬5) عبارة " من هذا القسم " لم ترد في (أ) و (ش).
(¬6) في (أ) و (ش): ولا.
(¬7) " بعض " سقطت من (أ).

الصفحة 218