كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

ببعض الخلق كما يضر نور الشمس بأبصار الخفافيش، وكما يضر ريح الورد بالجُعَل، وكيف يبعد هذا؟!
وقولنا: إن الكفر والزنى والمعاصي والشرور (¬1) بقضاء الله وإرادته ومشيئته حقٌّ في نفسه، وقد أضر سماعه (¬2) بقوم إذا أوهم ذلك عندهم أنه (¬3) دلالةٌ على السَّفَهِ، ونقيضُ الحكمة، والرضا بالقبيح والظلم، وقد ألحد (¬4) ابن الرَّاوَنْدِي وطائفةٌ من المخذولين بمثل ذلك.
وكذلك سر القدر إذا أُفشِيَ أوهم عند أكثر الخلق عجزاً إذ تقصُرُ أفهامهم عن درك (¬5) ما يُزيل هذا الوهم (¬6).
ولو قال قائل: إن القيامة لو ذُكِر ميقاتها وأنها بعد ألف سنةٍ أو أكثر أو أقل لكان مفهوماً (¬7)، ولكن لم يذكر لمصلحة العباد وخوفاً من الضرر، فلعلَّ المدة (¬8) إليها بعيدةٌ فيطول الأمد (¬9)، وإذا استبطأت النفوس وقت العقاب قل اكتراثها، ولعلها كانت قريبةً في علم الله، ولو ذُكِرَت لعَظُمَ الخوف، وخَرِبَتِ الدنيا، وأعرض الناس عن الأعمال، فهذا المعنى لو اتجه وصح، لكان مثالاً لهذا القسم. انتهى.
وفي كلامه هذا والكلام المُقَدَّم قبله المنصوص في " المقصد الأسنى " ما يدل على أنه كان يُضمِرُ القول بوجوب الاعتراف بحكمة الله وتعليل أفعاله وأقداره كلِّها بالغايات الحميدة، والحِكَمِ البالغة في تأويل المتشابه الذي لا يعلمه إلاَّ الله تعالى، كما أوضحه الله تعالى في قصة موسى والخَضِرِ عليهما
¬__________
(¬1) في (أ) و (ش): إن الكفر والشر.
(¬2) في (أ): ذلك.
(¬3) " أنه " ليست في (أ) و (ش).
(¬4) في (أ) و (ش): وألحد.
(¬5) في " الإحياء ": إدراك.
(¬6) في " الإحياء ": ذلك الوهم عنهم.
(¬7) " لكان مفهوماً " ليست في (أ) و (ش).
(¬8) بعدها في نسخة (أ): وإن كانت!
(¬9) في (أ) و (ش): الأمر، والمثبت من " الإحياء ".

الصفحة 219