كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

وتعالى، فإنه سبحانه وتعالى تَمَدَّحَ بأنه الذي يُجيبُ المضطرَّ إذا دعاه، ولم يتمدح (¬1) بأنه الذي يضطرُّ، وإن كان هو خالق الضرورات، لأنه خلقها ليَسُوقَ العباد إلى دعائه، فيُجيبهم، فيعرفونه ويشكرونه، قال الله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 42 - 43]. وقال: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62].
وفي " عوارف المعارف " للسُّهْرَوَرْدِي: إن الضرورات للعبد بمنزلة السوط للدابة، لا تُضْرَبُ به حتى تَتْرُكَ السير، أو تسير في غير الطريق.
ومن هنا وجب شكر الله على ما نفع وضر، وحلا ومرَّ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " الحمد لله على كل حالٍ، وأعوذ بالله من حال أهل النار " رواه الترمذي وابن ماجه (¬2).
فإذا تقرَّر في الشرور التي خلقها الله تعالى وحده، وليس للعباد فيها كسبٌ، ولا لقدرتهم بها تعلُّقٌ، لا تضاف إليه إلاَّ مُغَيَّرَة الاسم، مُعتَقَداً فيها أنها خيرٌ وبركةٌ ورحمةٌ وحكمةٌ، فكيف يضاف إلى الله تعالى ذنوبُ العباد وفواحِشُهم من الوجه الذي هي منه كفرٌ وفجورٌ مستحقةٌ لجميع الأسماء القبيحة، والمعاني الخَسِيسَةِ.
وقد ذكر أهل العلم في قوله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: 49 - 50] أن في ذلك تنبيهاً على أنه لا يُشتَقُّ لله تعالى أسماءٌ من مخلوقاته الضارة، لأنه لم يقل: إني المعذِّب المؤلم، كما قال: إني أنا الغفور الرحيم.
وذلك تعليمٌ لحسن الأدب والتعبير عن مختلفات أفعاله التي دارَتْ على
¬__________
(¬1) في (أ): بمدح.
(¬2) تقدم تخريجه في هذا الجزء ص 208.

الصفحة 221