كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

وإنما حملهم على تعداد الأسماء الطمع في الإحاطة بالتسعة والتسعين التي من أحصاها دخل الجنة، وذلك أمر لا يمكن القطع بحصوله، ولا يُتَوَصَّلُ إليه إلاَّ بتوفيق الله، فإن لله تعالى أسماء كثيرة غير مُحصاةٍ، وهذه التسعةُ والتسعون من أسمائه وليست جميع أسمائه، لِما ثبت في حديث ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: " اللهم إني أسألك بكل اسمٍ هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك " الحديث (¬1).
فدلَّ على أن تمييز التسعة والتسعين يحتاج إلى نص متفق على صحته، أو توفيقٍ رباني، وقد عُدِمَ النص المتفق على صحته في تعيينها، فينبغي في تعيين ما تعين منها على ما ورد في كتاب الله منها بنصه، أو ما ورد في المتفق على صحته من الحديث.
واعلم أن الحسنى في اللغة هو جمع الأحسن، لا جمع الحسن، فإن جمعه حِسان وحَسَنَةٌ، فأسماء الله التي لا تحصى كلها حسنةٌ، أي: أحسن الأسماء، وهو مثل قوله تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الروم: 27] أي: الكمال الأعظم في ذاته وأسمائه ونُعُوته، فلذلك وجب أن تكون أسماؤه أحسن الأسماء لا (¬2) أن تكون حسنةً وحِساناً لا سوى، وكم بين الحَسَنِ والأحسن من التفاوت العظيم عقلاً وشرعاً ولغةً وعُرفاً.
وما أحسن قول من قال في الإشارة إلى ما تضمنه حديث ابن مسعودٍ من كثرة أسماء الله الحسنى:
وعلى تفنُّن واصِفِيهِ بِوَصْفِه ... يفنى الزمانُ وفيه ما لم يُوصَفِ
¬__________
(¬1) حديث صحيح، أخرجه أحمد 1/ 391 و452 وغيره، وصححه ابن حبان (972)، وانظر تمام تخريجه فيه.
(¬2) في (أ) و (ش): إلا، وهو خطأ.

الصفحة 228