كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)
ما ليس له فيه اختيار، لوقوعه فيه باختياره، وهذا معنى قول الأشعري: لا ينقطع التكليف بفعلٍ حال حدوثه، أي لا ينقطع اللوم والعقاب، ولم يُرِدْ: لا ينقطع طلب التنجيز، وهذا المذهب شائع في المعتزلة والقائل به منهم أكثر، وجمهور أهل السنة على رده.
الصورة الثانية: حكاها الغزالي في كتابه " الاقتصاد في الاعتقاد " (¬1) فقال: فإن قيل: فهو ما لا فائدة فيه، وما لا فائدة فيه عبث، والعبث على الله محال.
قلنا: هذه ثلاث دعاوى:
الأولى: أنه لا فائدة فيه، ولا نُسَلِّمُ، فلعل فيه فائدةً للعباد اطلع الله عليها، فليس الفائدة الامتثال والثواب عليه، بل ربما يكون في إظهار الأمر، وما يتبعه من اعتقاد التكليف فائدة، فقد ينسخ الأمر قبل الامتثال كما أمر الله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بذبح ولده ثم نسخ قبل الامتثال. إلى آخر ما ذكره.
وهذه المسألة التي احتج بها، وهي النسخ قبل التمكن مسألة خلاف بينهم وبين المعتزلة أيضاً، والإمام المنصور بالله يقول فيها بقولهم، والجويني يقول فيه بقول المعتزلة.
وقد ظهر أن من جوَّز منهم تكليف ما لا يطاق، وهي فرقة شاذة، فما أرادوا نسبة قبيح إلى الله في إرادة تنجيز وجود المحال وترتيب وقوع العقوبة عليه كما في التكليف بالممكن. فهذا نوع من التكليف خاص له أحكام تخصه عند هذه الفرقة الشاذة نازل منزلة قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 42 - 43].
وآخرها دليلٌ على الفرق بين الدعاء الذي ليس معه استطاعة وبين الدعاء في الدنيا، وهي حجةٌ لهم في تجويز مثل ذلك، مجرد تجويز على جهة
¬__________
(¬1) ص 113.
الصفحة 236
330