كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

وهو بابٌ واسع ومعانيه مختلفة، ولكن تسميته تكليفاً بدعة خارجة عن اللغة والعرف.
قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وفي آية: {إلاَّ ما آتَاهَا} [الطلاق: 7] وهذا وعد صادق صدر على جهة التمدح، ومعناه واضح ولا يُعارِضُه ما يُقاربه في القوة والوضوح، والحق رَدُّ المحتملات إلى الواضحات (¬1) لا العكس.
ومن أين للسني أن الله يرضى بقول القائل: إن تكليف المحال جائزٌ عليه، وهو يقول ما قدمنا، بل يقول: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].
وأما قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284]، فهي عامة فيما يطاق من ذلك مع المشقة والحرج، وما لا يطاق البتة، والعموم يجوز تخصيصه مع أنه لم يطلب منهم أن يقع في أنفسهم شيءٌ من ذلك، وإنما أخبر أنه يُحاسبهم عليه، فَيُعَذِّبُ من يشاء، ولعله إنما كان معذباً -لو تم ذلك- بما يطاق من ذلك، بل قد تبين أنه كذلك، بل صح في حديث عائشة أن الحساب للمؤمنين هو العرض (¬2).
وكذلك صح في حديث ابن عمر المعروف بحديث النجوى (¬3).
¬__________
(¬1) عبارة: " المحتملات إلى الواضحات " بياض في (ش).
(¬2) انظر 5/ 274 ت (5).
(¬3) أخرج أحمد 2/ 74 و105، والبخاري (2441) و (4685) و (6070) و (7514)، ومسلم (2768) من طريق صفوان بن محرز المازني، قال: بينما أنا أمشي مع ابن عمر رضي الله عنهما آخِذٌ بيده، إذ عَرَضَ رجل، فقال: كيف سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في النجوى؟ فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله يُدني المؤمن، فيضع عليه كنفه، ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي ربِّ، حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته، =

الصفحة 238