كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

وأما قولهم: " كلّفنا ما لا نُطِيق " (¬1)، فقد يورد ذلك فيما يَشُقُّ (¬2) ويصعُبُ كثيراً، ولعله قول بعضهم، ولا حجة فيه مع أنه من حديث العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة، وفي توثيقه وتضعيفه خلافٌ كثير، ولذلك لم يُخَرِّجْ له البخاري شيئاً ولا أخرج هذا الحديث، ولعل مسلماً إنما أخرجه لموافقته لحديث ابن عباس بنحوه، لكنه لم يذكر قولهم: " لا نطيق " بل قال: إنه دخل في قلوبهم منها شيء، لم يذكر في قلوبهم من شيء.
وكذلك لفظ النسخ لم يذكره ابن عباسٍ في حديثه عند مسلم، فلفظ ابن عباس علي ما ذكرته، وأن آخر الآية مفسرٌ لأولها لا ناسخ، والله سبحانه أعلم.
وأما التحميل في قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] فليس بتكليفٍ إنما هو مثل إنزال الأمراض والبلاوي العظيمة.
وما خالف هذه القاعدة المنصوصة في محكم كتاب الله تعالى على وفق الحكمة المعقولة من الأوامر ما لا يُطاق فليست للطلب والتنجيز، ولها معان لطيفة يعرفها أئمة المعاني والبيان، فلتطلب من مَظَانِّها.
إذا عرفت هذا فاعلم أن من قال: ليس بتكليفٍ، كما هو الحق، فسره بما قدمنا عن الجويني، ومن قال: إنه تكليف، لم يُخالف في الحقيقة إلاَّ في معنى التكليف كما قال الغزالي فزعم أن إيراد صيغة الأمر في خطاب من يفهم يسمى تكليفاً وإن لم يُرِدْ به حصول الامتثال، والفائدة فيه عنده اعتقاد أنه مكلف، ومعنى كونه مكلفاً به كونه مخاطباً به، والعقوبة فيه على زعمه على ترك هذا الاعتقاد، لا على الامتثال.
¬__________
= وأما الكافر والمنافقون، فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين". وصححه ابن حبان (7355) و (7356) وانظر تمام تخريجه فيه.
(¬1) انظر تمام الحديث وتخريجه 5/ 183 و184.
(¬2) في (أ): " فيما لا يشق ".

الصفحة 239