كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

فإن قيل: فإذا لم يفعل المكلَّف الواجب، لزم أن لا تقوم عليه الحجة، لأنه لم يُعِنْه (¬1) الله تعالى حين لم يخلقه، ولو خلقه، ما قَدَرَ العبد على تركه، وهذا حقيقة الجبر ونفي الاختيار.
قلنا: لم يختلفوا في أن الاختيار إلى العبد، وأن الله تعالى (¬2) يخلق عند اختياره ما اختاره العبد، حتى صرَّح بذلك الأشعري والرازي اللذان نُسِبَ إليهما أفحشُ الجَبْرِ الصريح، وتكليف ما لا يطاق كما يأتي.
وإنما خلاف هذه الفِرقة الأولى لسائر فِرَق الأشعرية أثبتوا تأثير قدرة العبد في عين ما أثَّرَتْ فيه قدرة الرب عزَّ وجلَّ من وجود الذات وإخراجها من العدم بمعونة الله تعالى، كما هو قول بعض الفرقة الرابعة وهو الإمام الجويني كما يأتي، ويأتي الفرق بينهم، وأما أكثر الأشعرية، فإنهم منعوا تأثير قدرة العبد في إخراج الذات من العدم إلى الوجود.
وأما الاختيار، فلم تختلف فرقهم الأربع في إثباته للعبد، وصلاحية قدرته فيه، سواء تعلَّقَ بالترك أو بالفعل، كما يأتي تحقيقه، ولكنه لا يكون اختياره إلا تابعاً وموافقاً لما سبق من مشيئة الله تعالى أن يفعل العبد مختاراً، كما لم يختلفوا هم والمعتزلة في أن الاختيار وضع الأمر لما سبق به علم الله تعالى وكتابه، كما تقدم تحقيق ذلك في الكلام على الأقدار، وبيان عدم التناقض في الجمع بين القول بنفوذ القدر والمشيئة والاختيار، بل الاختيار عند هذه الفرقة مقدور بين قادِرَيْنِ.
وقد حاوَلَتِ المعتزلة الرد على هؤلاء والتكفير لهم.
فأمَّا الرد عليهم، فلست أتعرَّض لنَقْضِه، بل هو عندي حقٌّ وصواب، ولكن ما هو من مقصود كتابي هذا، فإن سائر طوائفِ أهل السنة الثلاث الآتية ترُدُّ على
¬__________
(¬1) في (ش): يعبد، وهو تحريف.
(¬2) من قوله: " ما قدر العبد " إلى هنا سقط من (ش).

الصفحة 24