كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)
فإنه صحيح الإسناد، لكنه غيرُ عامٍّ، وإنما هو نصٌّ في موؤودة بعينها، فاحتمل التأويل، وذلك أن سياق الحديث أنهم سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أختٍ لهم موؤودةٍ في الجاهلية لم تبلغِ الحِنْثَ، فقال: " إنها في النار ".
¬__________
= في " تهذيب الكمال " 11/ 330 و331 من طريق داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن علقمة، عن سلمة بن يزيد الجعفي، قال: انطلقت أنا وأخي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: قلنا يا رسول الله إن أمنا مليكة كانت تصل الرحم، وتقري الضيف، وتفعل وتفعل هلكت في الجاهلية، فهل ذلك نافعها شيئاً؟ قال: لا. قال: قلنا: فإنها كانت وأدت أختاً لنا في الجاهلية، فهل ذلك نافعها شيئاً؟ قال: " الوائدة والموؤودة في النار إلاَّ أن تدرك الوائدة الإسلام فيعفو الله عنها " وعلقه البخاري عن الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل.
وأخرجه البخاري في " تاريخه " وأبو داود في " سننه " (4717) عن إبراهيم بن موسى الرازي، حدثنا ابن أبي زائدة، قال: حدثني أبي، عن عامر الشعبي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الوائدة والموؤودة في النار " قال يحيى بن زكريا، قال أبي: فحدثني أبو إسحاق أن عامراً حدثه بذلك عن علقمة، عن ابن مسعود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قلت: الرواية الأولى معضلة، والرواية الثانية وإن كانت متصلة إلاَّ أن زكريا بن أبي زائدة قد سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط.
وأخرجه ابن حبان (7480) من طريق ابن أبي زائدة بهذا الإسناد.
قلت: يترجح عندي نكارة هذا المتن وبطلانه لمخالفته للأحاديث الصحيحه، ولقوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} فإذا كان الله سبحانه وتعالى يسأل الوائدة عن وأد ولدها بغير استحقاق ويعذبها على وأدها، فكيف يعذب الموؤودة بغير ذنب.
وقال الآلوسي في " روح المعاني " 30/ 53: وتوجيه السؤال إلى الموؤودة في قوله تعالى: {سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} دون الوائد مع أن الذنب له دونها لتسليتها وإظهار كمال الغيظ والسخط لوائدها، وإسقاطه عن درجة الخطاب، والمبالغة في تبكيته، فإن المجني عليه إذا سئل بمحضر الجاني، ونسبت إليه الجناية دون الجاني، كان ذلك بعثاً للجاني على التفكر في حال نفسه وحال المجني عليه، فيرى براءة ساحته، وأنه هو المستحق للعقاب والقصاص، وهذا نوع من الاستدراج واقع على طريق التعريض كما في قوله تعالى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ}.
الصفحة 249
330