كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

زيادةٌ مستقلة بحُكْمٍ، فلم يكن لمثل طلحة بن يحيى أن يستقل بمثلها، ولا لنا أن نقبله في مثل ذلك. فهذا آخر الكلام على تقرير القول الأول (¬1).
القول الثاني: أنه يجوز أن يعذِّبَ الله تعالى من له الحجة عليه، ولا يكونُ ذلك ظلماً، فإنه تعالى يعلم من وجوهِ الحكمة ما لا نعلم، وله الحجة البالغة، وقد نص في كتابه أن يوم القيامة يجعل الولدان شيباً في سياق الوعيد وتعظيم ذلك اليوم، فمن المعلوم أنه ما جعلهم شِيباً إلاَّ ما لَحِقَهُم من شدة طوله، وهذا نوعٌ من العذاب. وفي " الصحيحين " (¬2) من حديث أبي سعيدٍ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " يا آدم، قم فابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ من ذُرِّيَّتِكَ " فيقول: وما بعث النار؟ فيقول: " مِنْ كُلِّ ألفٍ تِسْعَ مئةٍ وتِسْعَةً وتسعين إلى النار وواحدٌ إلى الجنة (¬3)، فحينئذٍ يَشيِبُ الصغير " -إلى قوله:- " أبْشِرُوا، فإن منكم واحداً ومن يأجوج ومأجوج ألفاً " الحديث.
وهذا الوجه الجُمليُّ يكفي، ولو لم يرد تعيين ذلك الوجه في السمع، كيف وقد ورد تعيين ذلك في وجوهٍ ثلاثةٍ ذكروها.
الوجه الأول: ذكر السبكي (¬4) وغيره حكايةً عمن اختاره منهم، وذلك أنها وردت أحاديث بأن أطفال المشركين يُمتحنون يوم القيامة، تؤجَّجُ لهم نارٌ،
¬__________
(¬1) قلت: وقد أورد الحديث ابن القيم في " طريق الهجرتين " ص 520، وقال بإثره: فهذا الحديث يدل على أنه لا يشهد لكل طفل من أطفال المؤمنين بالجنة وإن أطلق على أطفال المؤمنين في الجملة أنهم في الجنة، ولا يشهد لمعين بذلك إلاَّ لمن شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهذا وجه الحديث الذي يشكل على كثير من الناس، ورده الإمام أحمد، وقال: لا يصح، ومن يشك أن أولاد المسلمين في الجنة؟ وتأوله قوم تأويلات بعيدة.
(¬2) تقدم تخريجه 6/ 285.
(¬3) جملة " وواحد إلى الجنة " لم ترد في " الصحيحين "، ولا عند من خرجه من حديث أبي سعيد، وإنما وردت في حديث عمران بن حصين الذي خرجه الترمذي (3169) وغيره.
(¬4) " فتاوى السبكي " 2/ 363.

الصفحة 252