كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

هذا جملة ما حضرني من صحيحٍ وضعيفٍ في حجة أهل هذا القول، وهي لا تناقض ما قدمنا من أنه لم يصح حديثاً في دخول أولاد المشركين النار، لأنا عنينا دخولهم على العموم، وهذه الأحاديث لا تقتضي ذلك، وإنما تقتضي دخول من عَلِمَ الله أنه لو أدرك العمل، لكان شقياً بعد إقامة الحجة عليه وعصيانه لله تعالى.
قال السبكي (¬1) بعد قوله: أسانيدها صالحة: قال ابن عبد البر (¬2): ليست من أحاديث الأئمة الفقهاء، وهو أصلٌ عظيمٌ، والقطع فيه بمثل هده الأحاديث ضعيفٌ في النظر، مع أنه قد عارضها ما هو أقوى مجيئاً منها.
وقال الحُليميُّ: إن هذا الحديث مخالِفٌ لأُصول المسلمين، لأن دار الآخرة ليست بدار امتحانٍ (2).
قلت: فأجاب القائلون بها على ابن عبد البر أنه لا يُشتَرَطُ في الرواة أن يكونوا أئمة فقهاء.
وأما قوله: إنها مُعارِضَةٌ لما هو أقوى مجيئاً منها، فإنما أشار إلى قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: " الله أعلم بما كانوا عاملين ". وليست معارضة له، بل زيادةٌ عليه وبيانٌ له، وفرقٌ بين المعارضة والزيادة والبيان، إلاَّ حديث البخاري عن سمرة، فإنه يعارض ظاهره، لكنها أخص منه عند التحقيق، فإنه، وإن كان خاصاً بالنظر إلى أولاد المشركين، ففيه عمومٌ بالنظر إلى الشقي منهم والسعيد، وهذه خاصة بالأشقياء الذين علم الله أنهم لو أدركوا العمل لَعَصَوْهُ.
وأما قوله: إنه أصلٌ عظيم، والقطع فيه بمثل هذه الأحاديث ضعيفٌ،
¬__________
(¬1) 2/ 363 - 364.
(¬2) قلت: نقل قول ابن عبد البر، وقول الحليمي القرطبي في " التذكرة " ص 514، وتمام قول الأخير فيه: فإن المعرفة بالله تعالى فيها تكون ضرورة، ولا محنة مع الضرورة، ولأن الأطفال هناك لا يخلو من أن يكونوا عقلاء، أو غير عقلاء، فإن كانوا مضطرين إلى المعرفة، فلا يليق بأحوالهم المحنة، وإن كانوا غير عقلاء، فهم من المحنة أبعد.

الصفحة 257