كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

بلَّغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا مِنْ شيءٍ".
والحديث له في كتاب الله أعظم شاهدٍ، وهو ما حكى الله تعالى من قولِ الكفار لجوارحهم: {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} [فصلت: 21]، وقال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27].
فامتَنَّ عليهم بالتثبيت في الآخرة، ولولا حاجتهم إليه، لما صح ذلك، ولا حاجة إلاَّ مع الابتلاء، وليس المانع من ذلك عند المعتزلة إلاَّ أن الخلق مضطرون إلى الإيمان يوم القيامة، ولا يصح الابتلاء مع الاضطرار.
والجواب عليهم أن الاضطرار فعل الله فيهم، لا فعلهم في أنفسهم عقلاً وسمعاً، وقد قال الله يعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68]، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الأنعام: 111].
وقد تقدمت بقية الحجج في هذا البحث عند ذكر هذه الآية الشريفة في مسألة الإرادة.
الوجه الثاني: أن كل من عَلِمَ الله أنه إن (¬1) بلغه الكِبَر، آمن، أدخله الجنة، وكل من علم الله أنه إن (1) بلغه الكبر، كفر، أدخله النار.
وهذا القول كالذي قبله، إلاَّ أن في الذي قبله زيادة الإعذار من الله، وإظهار إقامة الحجة، وهي زيادةٌ لا معارضة، ولعلها الذي توهم ابن عبد البر أنها معارضةٌ، وهي زيادةٌ حسنةٌ ملائمةٌ لسنة الله تعالى في إرسال الرُّسُل وإزاحة الإعذار، وفي " الصحيح " عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا أحد أحبُّ إليه العُذْرُ من الله، لذلك أرسل الرُّسُل " (¬2).
¬__________
(¬1) في (ش): " من ".
(¬2) تقدم غير مرة.

الصفحة 260