كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

وأهل هذا القول احتجوا بالحديث المتفق على صحته من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سُئِلَ عنهم: " الله أعلم ما كانوا عاملين " (¬1).
وهؤلاء لا ينبغي أن يقال: إنهم يجيزون على الله التعذيب بغير ذنبٍ، بل يقال: إنهم يُجيزون على الله التعذيب بالذنب المعلوم وقوعه قبل أن يقع.
وروى السيد أبو عبد الله الحسني في كتابه " الجامع " في موضعين من المجلد السادس أحدهما في هذه المسألة عن السيد الإمام الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي عليهم السلام ما يدل على مثل قولِ هذه الطائفة، فإنه روى عنه أنه قال: قد أدخل الله النار أولاد المشركين بالذي سبق في علمه أنهم لا يؤمنون، قال الله سبحانه لنوح: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36]، وقال نوحٌ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 26 - 27].
وأهلك الولدان في زمن عادٍ وثمود بالصيحة، ولا ذنب لهم، وقتل الخَضِرُ الغلامَ ولم يبلغ الحُلُم، فبلغنا في الحديث أنه يوجد في كتفه مكتوبٌ: كافر خِلْقَةً (¬2). انتهى بحروفه.
ولا شك أن العلم بقبح هذا غير ضروري من الدين فلا يُكَفَّرُ، ولا ضروري من العقل، فلا يُنْسَبُ قائله إلى تعمُّد الكذب ومحض العناد، فإن أهل الشريعة وأهل المعقول، لو علموا أنهم إن لم يقتلوا صغيراً كان في حياته هلاك
¬__________
(¬1) حديث صحيح، أخرجه عبد الرزاق (20077)، وأحمد 2/ 58 و266 و393 و471 و518، والبخاري (1384)، ومسلم (2659)، والنسائي 4/ 58، وابن حبان (131) من حديث أبي هريرة، وأخرجه البخاري (1383) و (6597)، ومسلم (2660)، وأبو داود (4711)، والنسائي 4/ 59 من حديث ابن عباس، ورواه أبو داود (4712) من حديث عائشة.
(¬2) من قوله: " قد أدخل الله النار " إلى هنا، تقدم بتمامه مع التعليق عليه 5/ 223 - 224.

الصفحة 261