كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

المسلمين قطعاً، وثبت لهم ذلك بطريقٍ سمعيةٍ، لم يُكَفَّرْ من استحل قتله بذنبه المعلوم وقوعه في المستقبل، ولا نقطع بأنه فاسق تصريحٍ، وإن كان القاتل لا يخاف على نفسه متى خاف على المسلمين.
بل قد وقع نحو هذا، فإن عمر رضي الله عنه استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتل ابن صَيَّاد لمَّا ظن أنه الدجال، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن يكن هو، فلن تُسَلَّطَ عليه، وإن يكن غيره، فلا خير لك في قتله ". والحديث صحيح (¬1).
وإن كان ابن صيادٍ صغيراً، فأفهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن يكن غيره، فلا خير لك في قتله " أنه لا بأس بقتله لو تحقَّق أنه الدجال، لكنه لا يُسلَّط عليه (¬2).
وفي قصة الخَضِر والغلام الذي قتله ما يدل على هذا، وقد قال ابنُ عباسٍ (¬3): إن ذلك الغلام طُبِعَ كافراً.
وذكر ابن بَطَّالٍ في الباب الثاني من أبواب القدر في " شرح البخاري " مما يقوِّي ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28]، وقوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 23].
فإن قيل: إنه يحتمل أن قتل الدجال من قبيل المصالح، لا من قبيلِ عقوبته بما سيفعله، كما هو مذهب مالكٍ في المصالح، بل كما هو مذهبُ الأكثر في قتل المسلم إذا تترَّس به الكفار وعلمنا أنه إن لم يقتل قتلوه وقتلوا المسلمين معه.
¬__________
(¬1) رواه من حديث ابن عمر البخاري (1354) و (3055) و (6173) و (6618)، ومسلم (2930)، وأبو داود (4329)، والترمذي (2250)، وأحمد 2/ 148 و149، وابن منده في " الإيمان " (1040)، وابن حبان (6785)، وقد تقدم.
(¬2) من قوله: " وإن كان ابن صياد صغيراً " إلى هنا، سقط من (ش).
(¬3) هو من رواية ابن عباس عن أُبيّ بن كعب، وقد تقدم تخريجه 5/ 224.

الصفحة 262