كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

قلنا: هذا الاحتمالُ صحيحٌ، ولسنا نستقوي هذه المسألة، ولكنا نرى الاحتمال الذي معهم، فوجب أن يُجْعَلُوا من أهل التأويل، فلا يُكَفَّرُوا، ولا نقطع بعنادهم. ومما يقوي مثل هذا -أعني عدم تكفيرهم والقطع بعنادهم (¬1) - وورود ما يشتبه في السمع من هذا القبيل، كقوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: 23] فإنه ترك الإسماع لهم مؤاخذةً بما (¬2) عَلِمَ من عدم استماعهم لو أسمعهم.
وكذا ما يظهر قبل التأمل من قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (¬3) [الإسراء: 16]، فإن الله تعالى أراد الهلاك قبل الأمر لما سبق في علمه من فسقهم بعد، فقدم الإرادة قبل استحقاقهم، والقوي (¬4) خلاف هذا عندي، وليس هذا موضع بسطه، وإنما قصدتُ إيراد هذه الأشياء لبيان أنهم من أهل التأويل، وليس هذا كمن يقول: إن الله يعذِّبُ بمجرد سبق علمه بالتعذيب من غير علمٍ بذنبٍ مستقبلٍ كما ذكرنا في مسألة الدواعي، فتأمل الفرق بينهما.
وأهل هذا القول الثالث يريدون أن خلق الفعل وإبلاغ التكليف من قبيلِ الزيادة في الإعذار من الله تعالى، وإلا فعلمه (¬5) سبحانه الحق الذي يعلم الكل يوم القيامة أنه حقٌّ كافٍ في إقامة الحجة. بل قد تقدم أنه يجوز أن يكون الله عَلِمَ أن في عذاب أهل النار حكمةً غير الجزاء على الذنوب، كالحكمة في إيلام الأطفال والبهائم، بل مرَّ تقرير الدليل على رجحان مثل ذلك، لأن حُسْنَ التعذيب من قبيل الإباحة التي لا رُجحان فيها، والله يتنزَّه عن فعل ذلك، لأنه عبثٌ.
¬__________
(¬1) من قوله: " ومما يقوي " إلى هنا سقط من (أ).
(¬2) في (أ): " فما ".
(¬3) من قوله: " وكذا ما يظهر " إلى هنا سقط من (ش).
(¬4) في (ش): " والقول ".
(¬5) في (ش): " فعلمه السابق ".

الصفحة 263