كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

وإنما أراد الله إزاحة إعذار المبطلين كما ورد به الحديث الصحيح " لا أحد أحبُّ إليه العذر من الله، من أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل "، وشهد بذلك القرآن كما تقدم، فأراد الله أن يدخلوا النار بسبب الذنوب، لما في ذلك من الحِكَم البالغة، والمصالح الراجحة، والغايات الحميدة، كما أخرج آدم من الجنة على وجه (¬1) العقوبة لأجل هذه الأشياء، مع أنه ما خُلِقَ إلاَّ خليفةً للأرض، كما نص عليه القرآن، وأحاديث الأطفال تشهد بذلك، وإقامة العدل والحجة (¬2) عليهم، والله سبحانه أعلم، وقال ابن عبد البر: إن هذا قول الأكثرين. وعندي -والله أعلم- أنه راجعٌ إلى القول الثاني، فإنه طرفٌ منه، لكن في القول الثاني زيادة الابتلاء وإقامة الحجة يوم القيامة.
وأول أحاديثه أن من علم الله أنه يكون شقياً لو أدرك العمل، لكان من أهل النار، ولكن بزيادة الابتلاء وإقامة الحجة يوم القيامة، لكن لما كان في هذه الزيادة ما قدمنا. من الإشكالات، اقتصر أهل هذا القول على أول الحديث تورُّعاً من آخره، معتقدين أن الحجة البالغة والحكمة التامَّة لله تعالى على عباده كيف شاء.
إن هذا الاحتمال أقوى من القطع بتعيُّن (¬3) وجه الحكمة في الابتلاء يوم القيامة، فأما إن كانوا نَفَوُا الابتلاء يوم القيامة والحكمة، فقولهم باطل، والقول الثاني أقوى منه.
القول الرابع: إن الله تعالى قد خلقهم فيما مضى، وكلفهم وعصوا، فبذلك استحقوا العذاب، ويحتجون على ذلك بالحديث المشهور في إخراج ذرية آدم من صُلبه على صورة الذَّرِّ، وخطابهم بقوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] كما سيأتي تفصيله. روى هذا الترمذي وحسَّنه، ورواه أحمد
¬__________
(¬1) في (ش): جهة.
(¬2) في (ش): " والحكمة "، وهو تحريف.
(¬3) في (ش): بتعيين.

الصفحة 264