كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

خلق خلقه في ظُلمة، ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور، اهتدى، ومن أخطأه، ضل ". رواه البيهقي في " الأسماء والصفات "، وأحمد في " المسند "، وقال الهيثمي: رجاله ثقات.
فهذه الآثار وأمثالها تقوِّي القول بإخراج ذرية آدم من صلبه مرة أولة. ويدل عليه أيضاً ما ذكره ابن عبد البر وغيره في تفسير قوله تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: 83] فإنهم فسروا إسلام الخلق كلهم بذلك، وقالوا: إن الله تعالى لما قال لهم: {ألست بربكم}؟ قالوا: كلهم: {بلى}، فأمَّا أهل السعادة، فقالوا عن معرفة له طوعاً، وأما أهل الشقاوة، فقالوه كرهاً.
ومما يدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُم} [آل عمران: 106] ففيه أن كل كافر قد كفر بعد إيمانه، وهذا لا يصح ظاهره في هذا التكليف المعلوم لنا، وكذلك ظاهر قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} [الأعراف: 11]، فظاهرها خلق جميع المخاطبين قبل الأمر بالسجود لآدم في عالم الذر، وهو قول مجاهدٍ، وقتادة، والربيع، والضحاك، ومجاهد من أصح المفسرين تفسيراً وقتادة -على حفظه- من قدماء المعتزلة في مسألة الأفعال.
فأما قول ابن عباس: " خُلِقُوا في أصلاب الرجال، وصُوِّروا في أرحام النساء "، فلا يناقض هذا، وإن كان الحاكم صححه على شرط الشيخين (¬1)، فإن الجميع من الخلق والتصوير ممكن أنه كان في ذلك الخلق الأول، وذلك داخل، وهو ظاهر الترتيب في قوله: {ثم قلنا للملائكة} [الأعراف: 11].
ويترجح بما تقدم والله سبحانه أعلم على أنه موقوفٌ، لا يجب أو لا يجوز ترك الظاهر له، خصوصاً مع عدم شذوذ القائل به وكثرة شواهده.
¬__________
(¬1) " المستدرك " 2/ 319، ووافقه الذهبي على تصحيحه.

الصفحة 269